بقلم ناصر قنديل

لماذا يدعو ترامب إيران لحوار بلا شروط؟: ناصر قنديل

المناخ الذي سبق الدعوة التي وجّهها الرئيس الأميركي دونالد ترامب للرئيس الإيراني لحوار بلا شروط مسبقة، لم يكن مناخ انفراج في العلاقات الأميركية الإيرانية، وكل الخطوات الأميركية المتخذة منذ الانسحاب الأميركي من التفاهم النووي مع إيران ذات طابع تصعيدي، ونتائجها واضحة في التوتر في علاقات أميركا بكل من أوروبا وتركيا، وحضور ملفها على طاولة التفاوض مع روسيا، خصوصاً في ما يتعلق بمساعي عزل إيران عن ملفات المنطقة انطلاقاً من اعتبار إخراجها من سورية عقدة مفصلية في بلوغ هذا الهدف. فما الذي حدث حتى تقدّم الرئيس الأميركي بهذا العرض المغري؟

خلال الشهور التي رافقت الاستعداد للانسحاب الأميركي من التفاهم النووي مع إيران كانت الحركة الأميركية مبنية على رهانات متعددة أخذت مداها بعد الانسحاب من التفاهم، وكانت محاور الرهانات أولاً السعي لبلورة حلف عربي بقيادة السعودية يتلاقى مع «إسرائيل»، ضمن ما عُرف بصفقة القرن، والعنوان المشترك إنهاء القضية الفلسطينية بحلٍّ يحظى بغطاء عربي إسلامي يتيح التعاون المشترك لأركانه مع «إسرائيل». وثانياً السعي لمقايضة روسيا بسلسلة من العروض والمكاسب للحصول على موافقتها بسحب التغطية عن بقاء إيران في سورية، وشمول هذه العروض الدولة السورية نفسها، ورئيسها في المقدمة، ومحور العروض التسليم بنصر سورية ورئيسها وحليفها الروسي كمرجع للحل السياسي فيها، مقابل إخراج إيران. وثالثاً تشديد العقوبات المالية على إيران ومحورها حرمانها من فرص بيع نفطها وتلقي عملة صعبة مقابله، وصولاً لتركيعها اقتصادياً فسياسياً، ورابعاً الرهان على تقدّم نوعي يحققه حلفاؤها، خصوصاً السعودية في الساحة الموازية لسورية للصراع مع إيران، وهي اليمن، ما يتيح قصّ جناحي إيران المتمثلين بحضورها بين حلفائها الأقوياء في سورية واليمن، بينما يجري إخراجها من فلسطين بتسوية يخرج فيها العنوان الفلسطيني كمحور للصراعات في المنطقة من التداول وتظهر إيران وحدَها كعقدة تعيق الاستقرار.

الواضح من أي مراقبة بسيطة لمسار الشهور الأربعة التي أعقبت الخروج الأميركي من التفاهم النووي مع إيران أن الخيبة كانت حصاداً أميركياً جامعاً لكل الرهانات، فصفقة القرن معطّلة وتترنّح بحثاً عن شريك فلسطيني يمنحها الشرعية، ويبرر الشراكات العربية الإسلامية فيها، وفلسطين الملتهبة تسحب الغطاء مسبقاً عن أي مسعى بهذا الاتجاه فتجد حظوظه صفرية، وبالتوازي انتهت مفاوضات قمة هلسنكي الأميركية الروسية إلى يقين أميركي بأن النظرة الروسية للتوازنات الدولية، ومعايير المصلحة الاستراتيجية لروسيا، تحفظ مكانة مميزة للعلاقة مع إيران تتكفّل بإحباط كل الرهانات على فك هذه العلاقة وفقاً للتمنيات الأميركية الإسرائيلية، وثالثاً بدت سياسة العقوبات مثقوبة في أماكن متعددة أوروبية وتركية وخصوصاً روسية وصينية، لكن الأهم أن الممرات المائية التي تضمن سلاسة تدفق نفط الخليج إلى أوروبا بدت مهدّدة بقوة في باب المندب ومضيق هرمز، وبدا معها أن المواجهة في اليمن بلا أفق لنصر يحققه حلفاء أميركا، فيما التهديد يتخطّى قصف الرياض إلى تهديد الملاحة في البحر الأحمر. وبات على واشنطن أن تناقش خياراً وحيداً متبقياً هو خيار الحرب، لأن الخط البياني لمكانة إيران وقدرتها على الصمود وتعظيم مصادر القوة، يوحي بأن عنق الزجاجة التي ظهر مؤقتاً بعد الانسحاب الأميركي من التفاهم النووي سيتلاشى تدريجاً، وتعود معه إيران قوية وفاعلة في قلب المنطقة إلى الواجهة.

في هذه اللحظة الحرجة انتهت الانتخابات الباكستانية بغير ما تشتهي واشنطن وحليفتها السعودية. فقد فاز في الانتخابات عمران خان وحزبه الإنصاف بنتيجتها بالقدرة على تشكيل الحكومة، وقد علّق مسؤولون سعوديون على النتيجة بوصف خان بالذَّنَب التابع لإيران. وقال آخرون، إن باكستان التي تملك جيشاً من العاملين في دول الخليج باتت تهديداً أمنياً لدول الخليج بعد فوز خان، لكن قراءات عديدة لخبراء غربيين قالت إن فوز خان يجعل المنطقة الممتدة من الصين إلى المتوسط مدىً حيوياً لإيران، والأكيد أن باكستان كانت باشرت تحوّلات هامة في علاقاتها بإيران بقوة المصالح الاقتصادية في قطاعي النفط والغاز، والأنابيب الذاهبة إلى الصين، وفي مجال الأمن في أفغانستان الذي تتشاركه باكستان وإيران. ويأتي فوز خان المعروف بعدائه للوهابية ودعوته لنبذ التفرقة المذهبية بين أبناء بلاده ليمنح باكستان فرصة المضي بالتقارب مع إيران. ولا يفوت الأميركيين أن الحديث يدور عن دولة تملك سلاحاً نووياً، وليس برنامجاً نووياً سلمياً يُخشى من تحوّله برنامجاً عسكرياً، وسبق للرئيس الروسي فلاديمير بوتين وهو يرحب بانضمام باكستان إلى تجمع شانغهاي، أن وعد إيران بمزيد من التعاون الباكستاني في مجال مواجهة العقوبات الأميركية على إيران، خصوصاً في مجال سوق النفط والغاز.

إيران كما يقول الخبراء الأميركيون ليست اليمن ولا كوريا الشمالية، فالعقوبات عليها شبه مستحيلة بحكم حدودها الجغرافية الممتدة بحراً وبراً، حيث تتشاطأ في الخليج مع عمان والسعودية وقطر والبحرين والإمارات والكويت، وتتشاطأ في بحر قزوين مع كازاخستان وروسيا وجورجيا، وتملك حدوداً برية وبحرية في قزوين مع أذربيجان وتركمانستان، ولها حدود برية مع أفغانستان وباكستان والعراق وأرمينيا وتركيا، فيبلغ مجموع جيرانها المباشرين ست عشرة دولة يندر أن يملك مثلها سواها، وأغلب الجيران يربطه بها علاقة تعاون متعددة المجالات، مثلت تركيا نموذجاً لها في الجواب العنيف على الطلب الأميركي بوقف شراء الغاز الإيراني.

– كان منتظراً أن يقول الرئيس الأميركي إنه على استعداد للقاء الرئيس الإيراني شرط أن توقف إيران ما يصفه بتدخلاتها في دول الجوار، أو أن توقف برنامجها الصاروخي، أو أن تبدي استعداداً للتفاوض من جديد حول ملفها النووي، وأن تقول إيران إنها ترى في ذلك أرضية مناسبة للنقاش، فجاءت دعوة ترامب لحوار بلا شروط وجاء الرد الإيراني سلبياً. ربما يبدو مهماً أن نتابع ما سيجري في باكستان بعد تشكيل الحكومة الجديدة لنعيد قراءة الجغرافيا السياسية للمنطقة. فهذه باكستان!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى