الشخص الذي لا حدود له تسفي غيلات
في خطابه أمام جلسة الكنيست في دورتها الشتوية، قال مجددا رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو: «السلام سيتحقق فقط من خلال المفاوضات المباشرة بين الأطراف». وبذلك أسقط نتنياهو أي خطوات أحادية الجانب وتساءل: «ما قيمة وضع الحدود اذا كنا لا نعرف أي دولة ستكون على الطرف الثاني من الحدود».
هذا الشخص الذي يُفشل أي تقدم للمفاوضات بين اسرائيل والفلسطينيين منذ سنوات، وفي خطابه هذا أعلن عن خطوة اخرى أحادية الجانب لحكومته (خطط بناء في المستوطنات)، كشف في سؤاله الكلامي هذا عن أمر تخوفنا منه منذ زمن – أنه لا يفهم معنى كلمة «حدود». في الحقيقة ما هي قيمة وضع الحدود لاطلاق كليشيهات كاذبة؟ (ومع ذلك يمكن أنه في العالم هناك من يصدق ذلك)، ما قيمة وضع حدود لميزانية البوظة والشموع ذات الرائحة وحسابات المياه لبيت رئيس الحكومة، اذا لم نعرف من سيكون في الجانب الآخر للفاتورة؟ (اسرائيليون لامبالون ويائسون أو لا سمح الله مراقب الدولة وسلطة القانون.)
نتنياهو لا يفهم لماذا يجب تحديد الحدود في الوقت الذي لا نسيطر فيه على ما يحدث في الجانب الآخر. فهو لا يفهم أن هذا بالضبط هو معنى الحدود – فهو يشير الى الفصل. حتى هنا أنا موجود ومن هناك أنت. أنا المسؤول عن داخل حدودي وأنت المسؤول عن داخل حدودك. لا تعبر حدودي ولا أعبر حدودك. بين الأعداء فان الحدود جدارا قويا. وبين الاصدقاء تكون الحدود مفتوحة وأكثر ليونة، لكن دائما هي ضرورية.
«ماذا تريدون؟»، هكذا تحرش نتنياهو بمعارضيه الذين يقترحون عليه وضع الحدود، «غزة اخرى»، وقبل ذلك بدقائق مع بداية خطابه مدح نتنياهو «التصميم والوحدة والتضحية» في عملية «الجرف الصامد». وهو لا يفهم أن هذه الاشياء كانت نتيجة وجود حدود واضحة بين اسرائيل وغزة. صواريخ حماس وراء الحدود ومحاولاتها للدخول عن طريق الانفاق، أثارت غريزة الدفاع والوحدة الاسرائيلية. إن ذاكرته القصيرة والانتقائية قد أنسته وأنست الكثيرين الثمن الدموي الذي دفعته اسرائيل عندما غابت الحدود بينها وبين غزة قبل الانفصال (أو الطرد – كما يسميه من يكرهون الحدود.)
الحدود هي عامل حيوي للهوية وتعطي الأمن الأساسي. الولد الذي لم يتعلم الحدود هو ولد مُفكك من الداخل. الانسان الذي ليست له حدود هو انسان بدون مركز، بدون عالم خاص به، أعينه موجهة دائما الى الخارج وليس الى الداخل ولا يستطيع تحمل الشعور بالغياب أو الفراغ.
لذلك فان ما هو خارجي والذي لديه حدود يشكل تهديدا، والمكان الفارغ في الداخل تملؤه الشياطين والمخاوف. لهذا فان نتنياهو يهتم بايران وبداعش، أي بما هو وراء الحدود. ولا تستطيع قواه الاهتمام بالانكسار الداخلي للمجتمع الاسرائيلي وغياب الثقة وبصعوبات البقاء واليأس الكبير، وكل هذا مرتبط بغياب الحدود.
فقط الانسان الذي يتعلم معرفة حدود قدراته وتحمله يستطيع أن يتمنى أن يتجاوزها ويوسعها.ومن لا توجد له حدود قد يتسبب بالضرر لمحيطه، ليس هذا فقط بل قد يتسبب بقتل نفسه.
ما هو صحيح بالنسبة للانسان فانه صحيح ايضا لمجموعة من البشر، وهو صحيح ايضا للمجتمع الفلسطيني وللمجتمع والدولة الاسرائيليين. الطرفان يحتاجان الى الحدود لبناء الذات من جديد.
هآرتس