أبعد من مزاج ترامب المضطرب
غالب قنديل
قطع الرئيس دونالد ترامب قرع طبول الحرب وضجيج التهديد المسعور لوزير الخارجية بومبيو بكلام عن عزمه التفاوض مع ايران .
هل هي نوبة تقلب المزاج كما يقول المتحدثون عن عوارض الاضطراب النفسي للرئيس الأميركي أم ثمة شيء ما حصل وقاده الى الانقلاب على لهجته السابقة اتجاه ايران؟
سر التقلب والارتباك الأميركي ناتج عن ثبات الموقف الايراني الصلب وعن الطريقة الذكية التي اختارتها ايران في مجابهة الغطرسة والتهديد.
فقد اظهر الوضع الداخلي الايراني تماسكا واضحا في الدفاع عن الاستقلال والسيادة والكرامة القومية وهو ما تعلم المؤسسة الأميركية انها اختبرته في جولات سابقة من الصراع مع ايران وتحدث بعض الخبراء بإعجاب عن تضامن الايرانيين على اختلافهم حول الحقوق النووية لبلدهم لدرجة اضطرار فصائل لاجئة في الغرب الى مساندة الجمهورية وموقفها.
تصدر المواجهة الرئيس روحاني الذي اعتبر في واشنطن ممثلا لاتجاه التعاون مع الغرب منذ التفاوض حول الاتفاق النووي وهو أمر يعبر عن درجة عالية من التضامن الوطني خلف الموقف السيادي الذي صاغه السيد الخامنئي بقوة وقاد تعبئة شاملة بمضمونه.
وقد نجحت ايران في الحفاظ على جبهة حلفاء متينة تضم روسيا والصين والبريكس بينما خاطبت المصالح الاوروبية بمرونة وبحزم وتركت الباب مفتوحا لتموضع اوروبي جديد بالشراكة مع روسيا والصين وحددت ما هو المطلوب من الدول الأوروبية الراغبة في التقاط فرص التعاون الاقتصادي.
كل ذلك ترافق مع تظهير عناصر القوة العسكرية الرادعة بوضوح وفي مناخ التضامن الشعبي والسياسي الداخلي حول التمسك بحقوق ايران ورفض الغطرسة الاستعمارية.
هذه المواجهة المدروسة التي تخوضها الجمهورية اربكت واشنطن واوقعتها في مزيد من الحيرة والاضطراب.
الاكيد ان البنتاغون يعرف مسبقا نتائج تجريب المجرب مع ايران وقد اكتوى جنرالاته مرارا بنار الفشل واجروا حساباتهم للحرب المكلفة غير مرة وهم يعلمون ان الثمن سيكون باهظا ومضاعفا بعدما راكمته ايران مع محورها الاقليمي المقاوم من قدرات وتحالفات وبعدما نجحت في تقديم عدالة موقفها امام العالم والرأي العام الغربي بالذات فمنذ توقيع الاتفاق النووي نجحت ايران بفضح حقيقة الافتراءات التي استهدفتها من اسرائيل والسعودية وباتت خطابا رسميا أميركيا بعد انتخاب دونالد ترامب الذي يعكس مزاجه المتقلب حالة القلق والاضطراب التي تعيشها الامبراطورية منذ مجموعة بيكر هاملتون بين خياري مواصلة حروب الهيمنة الأحادية وواقعية التكيف مع الحقائق العنيدة المستجدة في العالم.
كسبت ايران جولة سياسية وهي ستفرض على الأميركي المتغطرس ان يلعق تهديداته وينكفئ عاجلا ام اجلا وسيجد نفسه مرغما على التكيف الاضطراري بفعل استعصاء معادلات القوة وثبات النهج التحرري والاستقلالي لإيران التي تواجه بعقلانية وبحزم مستعدة لأسوأ الاحتمالات على قاعدة تحويل التهديدات الى فرص.