سوخوي: ناصر قنديل
– «إذا كنا لا نستطيع منع تحقيق النصر، فعلينا على الأقل تنغيص الاحتفال به». هذا العنوان الذي يكرّره قادة الجيوش المهزومة في الحروب يصلح لوصف الوضع «الإسرائيلي» في جنوب سورية، حيث تقصّد «الإسرائيليون» تصوير حركة طائرة السوخوي السورية على تخوم نقاط فك الاشتباك، دخولاً في أجواء الأراضي المحتلة لإسقاطها، وهم يعلمون أنهم وفقاً لاتفاق فك الاشتباك فإنّ مجرد تحليق الطيران السوري على مسافة كليومترات من خطوط الفصل يعني خرقاً للاتفاق، وبالمثل أيّ تحليق «إسرائيلي» قرب الأجواء السورية فكيف بالإغارة على أهداف في الأراضي السورية، فالتذرّع بالقواعد المعمول بها، لإسقاط الطائرة وهي قواعد فك الاشتباك مدعاة للسخرية، بينما يعلم «الإسرائيليون» أنّ الطائرة كانت تغير على أهداف لتنظيم داعش في منطقة اليرموك .
– الأمر يتعدّى التنغيض والاستفزاز ورسائل الدعم للجماعات المسلحة، وكلها أهداف ميؤوس منها. فلا التنغيص سيغيّر وجهة النصر السوري المقبل وبسرعة، ولا الاستفزاز سيجعل الجيش السوري يغيّر وجهة معاركه الراهنة، وينشغل عن الحسم وتنظيف الجغرافيا السورية التي عبثت فيها «إسرائيل» بعد العام 2011، من البقايا التي زرعها «الإسرائيليون» فيها. ولا رسائل الدعم النارية لجماعة داعش ستمكّنها من الصمود والقدرة على تغيير وجهة المعارك المحسومة لصالح الجيش السوري، فـ «إسرائيل» التي تريد كلّ ذلك، تعلم محدوديته، في منطقة شديدة الحساسية لأمنها، وفي توقيت شديد الحرج لموقعها من المعادلات الجديدة.
– «إسرائيل» العاجزة عن تلبية مقتضيات العودة لفك الاشتباك الموقع عام 1974 وفقاً للمفهوم الذي عرضه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على الرئيس الأميركي دونالد ترامب في قمة هلسنكي، وشرحه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ورئيس الأركان الروسي فاليري غراسيموف لرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، وهو يتضمّن ربط فك الاشتباك بفتح ملف الانسحاب من الجولان ووقف الغارات «الإسرائيلية» نحو الداخل السوري، ولا يتضمّن لـ «إسرائيل» ما تريده من انسحاب إيران وحزب الله أو على الأقلّ إبعادهما كثمن معنوي يغطي فشل تورّطها في الحرب على سورية وانكشاف علاقتها بتنظيم القاعدة وتنظيم داعش، وسقوط مشروعها لبناء حزام أمني داخل الحدود السورية، هي عاجزة في المقابل عن تحمّل تبعات بقاء الحلّ معلقاً عند حدود الجولان المحتلّ، حيث يتقابل الجيش السوري وجيش الاحتلال، ولا تملك «إسرائيل» حق الاعتراض على ما يحدث في عمق الحدود، باعتبار أنّ لائحة الحقوق والواجبات متضمّنة باتفاق فك الاشتباك المعلّق، وهذا ما يسمّى بالقلق الاستراتيجي، والارتباك التكتيكي، فهي لا تستطيع حسم الانتماء لزمن الحرب أو لزمن التسويات والتهدئة، ولا تملك آليات تحرّك تكتيكي نحو عروض للتفاوض، أو تلويح بالتصعيد.
– تسير «إسرائيل» على حافة الهاوية بالمشاغبة العسكرية ذات اليمين واليسار، أملاً بأن يتدخل أحد للإمساك بيدها ومنعها من الدخول في ورطة، تعلم أنها لن تكون ورطتها وحدها، بل ستتحوّل إلى ورطة للمنطقة كلها. وفي الطليعة للقوّتين الكبيرتين الموجودتين مباشرة على جغرافيا ملاصقة وهما الأميركي والروسي. فهي تستدرج تدخلات بالنار، لطاولة تفاوض تنتج فك اشتباك جديداً.
– بعد تحرير كامل الجنوب السوري سيتوجه الجيش السوري شمالاً، ولا مشكلة لدى سورية أن يبقى الغموض على الحدود مع الجولان، ولن يمنع السعي «الإسرائيلي» للمشاغبة العسكرية رداً سورياً أكيداً على إسقاط طائرة السوخوي، لأنه إذا كان رهان «إسرائيل» على كون المشاغبة تجلب وتستدرج مساعي لتفاهمات تمنع الانفجار، فإنّ هذه التفاهمات سيقرّر مضمونها ميزان القوى والمقدرة على تحمّل الذهاب للمدى الأبعد في التصعيد، وتجربة ليلة الصواريخ الطويلة في الجولان تقول الكثير، خصوصاً أنّ سورية وحليفيها في إيران وقوى المقاومة قد يجدان فرصة في التصعيد لتوجيه رسائل موجعة تتصل بصفقة القرن وليس فقط بفك الاشتباك.