بقلم غالب قنديل

ملهاة التقاسم والبلد في كارثة

غالب قنديل

يتواصل مأزق تشكيل حكومة جديدة وهو مسار عالق في قبضتين داخلية وخارجية فتحالف القوات والمستقبل يضغط لمنع ما كان يدعى تحالف الثامن من آذار ومعه التيار الوطني الحر من تكوين غالبية داخل مجلس الوزراء تعادل وزنه النيابي وهذا التحالف يعمل بالتناغم مع السيد وليد جنبلاط الذي يريد تكريس احتكاره الطائفي معاكسا نتائج الانتخابات بمنع توزير النائب طلال إرسلان.

لكن خلف هذا الاستعصاء الداخلي الظاهر هناك قبضة خارجية تضغط بقوة لمنع تكون غالبية في نصاب مجلس الوزراء اللبناني تتناغم مع محور المقاومة كليا او جزئيا بينما تتسارع مؤشرات تقدم هذا المحور ورجحان كفته مع حليفيه الروسي والصيني رغم الضغوط الغربية الهائلة والتهديدات الصهيونية التي لا تلغي مفاعيل معادلات الردع بمؤشراتها الظاهرة والكامنة.

إنها هوية لبنان وموقع لبنان الإقليمي ومستقبل معادلة المساكنة بين المحورين داخل السلطة اللبنانية وهي معادلة لا يمكن عزلها عن تأثير التحولات السورية الكبرى واقتراب ساعة الانتصار الكامل في الجنوب السوري ومباشرة مسيرة تحرير الشمال والشرق السوريين بالتكافل والتضامن مع شركاء المحور والحليف الروسي المنخرط بكل ثقله السياسي والعسكري في دعم المسيرة الوطنية التي يقودها الرئيس بشار الأسد.

خلف كل السعار السياسي اللبناني على التقاسم والحصص والريع المتقلص ثمة ما هو أبسط وأدهى فليس البلد مهددا فحسب بموارده الاقتصادية والمالية المتقلصة وبالمديونية الثقيلة المتراكمة وبالشروط التي تمس السيادة التي يفرضها نادي الدائنين .

إن لبنان مهدد بأن يصبح مجالا لا يلائم شروط الحياة الطبيعية للبشر والحيوانات والنبات مع زحف السموم والتلوث البيئي التي تضرب جميع موارد الحياة وهذه جريمة ضد الإنسانية ارتكبها نظام التقاسم الطائفي الذي حول النفايات إلى ميدان نهب للمال وأفلت مياه المجاري في البحر والأنهار التي كانت الرواية اللبنانية قبل عقود تعتبرها معادلا للنفط العربي وسمتها نفط لبنان قبل ان تسممها.

إن الطغمة التجارية المصرفية الحاضنة للطاقم السياسي اللبناني هي من أرث نماذج الرأسمالية وأشدها توحشا وعمالة للغرب الاستعماري وتبعية للرجعية العربية وهي تقيس الأمور على ميزان أرباحها بعقلية المرابين وقد وقع جميع شركائها في فخ منهجها عندما حولت سيادة نظامها إلى قدر محتوم بقوة الابتزاز الاقتصادي المتناغم مع الضغوط الأميركية وعقوباتها المتلاحقة ضد المقاومة ولبنان بأسره وعبر التلويح بحرب اهلية وشيكة نتيجة تصعيد الشحن والتوتر الطائفيين داخل المجتمع في كل مناسبة أو أي نزاع على الخيارات الكبرى.

إن السلطة العاجزة عن وقف الكارثة والمسؤولة عن تماديها هي أعجز من حمل مسؤوليات وطنية كقيادة تحول اقتصادي وسياسي نحو الشرق يواكب التغييرات العالمية المتسارعة وذلك العجز ليس نتيجة العمالة والتبعية فقط بل بفعل الغباء المتأصل والتكوين الهامشي الرث والعقلية النفعية المتخلفة عقلية السماسرة الصغار وفوق كل ذلك بفعل تخلف مستوى الوعي الشعبي الممسوك بالعصبيات الطائفية والمذهبية.

البلد في كارثة صحية وبيئية شاملة إذا استمرت فالتصحر على الطريق وهذه أولوية الأولويات التي تستدعي ثورة جدية في أسلوب الحكم ومنهجية التفكير وقبل الاستغراق في احلام اليقظة عن نهضة لبنانية جديدة فلنبحث في تنقية هوائنا من سموم نفاياتنا ومزابلنا وفي تنقية مياهنا من آثار فضلاتنا البشرية والحيوانية والكيمائية بدلا من متابعة تجرعها ببلادة التجاهل الذي لا ينقيها من السموم القاتلة.

الرأسمالية المتوحشة التي اجتاحت لبنان بعد الطائف دمرت كل شيء وتهدد الحياة بسلسلة الأمراض والأوبئة التي تتفشى تقتل الكثير من اللبنانيين والثورة الفعلية المطلوبة غايتها إنقاذ البلد كنطاق جغرافي صالح للحياة قبل ان نحلم بالطرق والوسائل التي تجعل تلك الحياة أفضل لأن الأولوية الراهنة هي تحرير حقنا البدائي في الحياة من اخطار التوحش البربري لحكم السماسرة والمرابين بكل توحشه وحقارته ودناءته.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى