بقلم غالب قنديل

وصية الخميني الباقية

غالب قنديل

تميز قائد الثورة الإيرانية الإمام آية الله الخميني بوعي تاريخي واستثنائي عندما ادرك مركزية قضية فلسطين في المنطقة وارتباطها بالتحرر من الهيمنة الاستعمارية بحيث يكون الالتزام الثابت بتحرير فلسطين والقضاء على الكيان الاستعماري الصهيوني القائم على أرضها هو الإشهار التاريخي لسقوط منظومة الهيمنة التي تقف في وجه كل نسمة للتحرر والاستقلال في المشرق والمغرب العربيين وفي العالم الإسلامي او ما تدعوه الولايات المتحدة بالشرق الأوسط الكبير

من تسمية الغدة السرطانية انطلق الإمام الخميني في معركة الوعي وراكم سلسلة تعبوية من الخطب والخطوات بعد انتصاره العظيم للتركيز على قضية فلسطين كعنوان حاسم لأي حركة مناهضة للاستعمار والهيمنة تقوم في هذه المنطقة وباعتبار تحريرفلسطين التزاما موجبا لكل دعاة التحرر بجميع بلدانهم ومشاربهم الفكرية والعقائدية بل إنه طرح هذا المفهوم ببعد اممي عام انطلاقا من كون فلسطين آخر رقعة في العام تعيش تحت وطأة احتلال استعماري استيطاني عنصري وهي وصمة عار على وجه ما يسمى بالعالم الحر من دول وحكومات تمد الكيان الصهيوني بأسباب الوجود وبمقدرات ضخمة يسخرها المستعمرون الصهاينة في العدوان والحروب والمذابح.

ببعد نظر استراتيجي فهم الإمام الخميني ارتباط نهوض القوة الإيرانية العظمى وترسيخ استقلالها الوطني وعزتها باعتناق قضية فلسطين لأن الكفاح الإيراني للاستقلال وللتنمية وبلورة قوة إيرانية مهابة في المنطقة والعالم هو التزام يملي صراعا لا هوادة فيه مع مركز منظومة الهيمنة الاستعمارية في المنطقة أي “إسرائيل“.

انطلاقا من هذا الوعي العميق لقضية التحرر والاستقلال صب الإمام جهده على تكوين حالة من الوعي التراكمي لقضية فلسطين بجميع أبعادها العقائدية والسياسية وابتكر يوم القدس العالمي كمحطة سنوية لمراكمة الوعي وللتحرك الجماهيري الواسع تحت عنوان تحرير القدس وفلسطين في شهر رمضان. ومنذ إعلان الإمام لهذا اليوم تحول إلى مركز استقطاب في الوعي والحركة الجماهيرية حول فلسطين ومن اجل تحريرها.

يوم القدس العالمي يعتبر من أبرز وصايا الإمام الخميني وعلامة فارقة في ميراثه الفكري السياسي وقد أرست القيادة الإيرانية والقوى والتيارات الإسلامية التحررية التي تتبنى نهجا مقاوما تقاليدا راسخة لإحياء هذا اليوم سنويا وجعلت منه منصة إعلامية وسياسية متجددة للتعبئة من اجل تحرير القدس وكامل فلسطين من الاحتلال الصهيوني.

يكرس مرشد الجمهورية الإمام السيد الخامنئي وقادة الجمهورية جهودا كبيرة ومميزة في إحياء هذه المناسبة التي يريدونها عابرة للأديان والقوميات وللبلدان كما اوصى قائد الثورة ومؤسس الجمهورية وتمثل مشاركة الشعب الإيراني الضخمة كل عام في يوم القدس العالمي استفتاء على النهج التحرري للبلاد في مجابهة الهيمنة الاستعمارية الصهيونية الرجعية وينبغي الاعتراف ان هذه الموجة تتوسع في العالم وتمتد إلى مزيد من البلدان منذ إعلان الخميني الأول عن يوم للقدس في آخر جمعة من شهر رمضان وبفضل العمل المثابر فكريا وعقائديا وإعلاميا الذي يقوده المرشد الخامنئي.

هذه السنة يأتي يوم القدس في مناخ حافل بالتحركات الشعبية الفلسطينية في الضفة والقطاع والأرض المحتلة عام 48 وبالذات داخل مدينة القدس المحتلة بعدما بلغت خطط التهويد ذروتها بقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب المتعلق باعتبار القدس المحتلة عاصمة للكيان الصهيوني وما حركه القرار الأميركي من ردود فعل غاضبة.

الشعب الفلسطيني العظيم يقدم المزيد من الدماء والتضحيات ويتحرك بدينامية مدهشة رغم التواطؤ والخيانات الكثيرة ويبدي مزيدا من التصميم على النضال والتحرر غير آبه بفتات الموائد الاستعمارية وبأوهام التسويات التي خبرها الفلسطينيون وعانوا ويعانون من آثارها المدمرة وإيران ومعها محور المقاومة في المنطقة تتقدم المصممين على تعزيز تلك الإرادة الحرة واحتضانها مهما جرى.

اكدت التجربة ان الإمام الخميني تميز ببعد نظر سياسي واستراتيجي وقد كثف موهبته الخارقة في القيادة الجماهيرية التعبوية من خلال دعوته لإحياء يوم للقدس في كل عام وفي شهر يصفه المسلمون في العالم بشهر العبادة وتم تحويل هذا اليوم إلى تقليد شعبي وسياسي فساهمت استمراريته بإبقاء قضية فلسطين حية في وجدان الشعوب في المنطقة والعالم وتجسد بذلك فهم إيران عن اعتبار فلسطين القضية المركزية لحركات التحرر والاستقلال في المنطقة والعالم.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى