ما بين سان بطرسبرج وباريس وشنجداو تصحيح مفاهيم إقتصادية عن الصين أحمد مصطفى
فى البداية، أود أن أصحح بعض الأخطاء التى يروجها بعض مدعي المعرفة الاقتصادية التابعين للاجندة الأمريكية المتطرفة عن الصين، وخصوصا ان حجم التجارة يصب فى مصلحة الصين بما يقدر بحوالى 375 مليار دولار بحسب آخر الإحصائيات الرسمية الامريكية .
الولايات المتحدة لا يمكنها تصدير غاز الى اوروبا فى الوقت الحالى ومامهم على الأقل ما لا يقل عن 5 – 10 سنوات لتكتمل بنية الموانى المؤهلة لذلك، التى تحتكر الصين بنائها فى العالم بأفضل جدوى إقتصادية حسب قول الخبراء فى مجال الغاز على مستوى العالم – ولم تقم الصين ببنائها لأمريكا للمواقف الحمائية التى تتتخذها أمريكا امام تحرير التجارة العالمية.
فلا يمكن احلال الغاز الروسي والإيرانى بالأمريكي لأن التكلفة أعلى على الأقل من 5-10 مرات أكثر من الحصول عليه من روسيا وإيران.
الصين استغلت وكما قلت سابقا، وكذلك لم تخفه حاليا وكلاات الأنباء الأمريكية، ملف كوريا الشمالية فى اللعب على موضوع التعريفات على الصادرات الصينية لأمريكا وتوقفت بالفعل – وأمريكا تحاول جاهدة وترسل وزير تجارتها للصين اليوم “ويلبور روس” لمحاولة الضغط على الصين كما ذكر فى وكالات انباء امريكية ومنها “سى إن بي سي” و “سي إن إن” لتمرير التسوية الكورية الأمريكية المقررة فى 12 من هذا الشهر بسنغافورة، حتى تحقق اى مكسب داخلى امام الكونجرس والشعب الأمريكي الغير راض عن تصرفات ترامب، ولتكسر عزلتها.
لدى امريكا خوف كبير بموجب ما ذكر على لسان خبراء امريكان وبريطانيين من مشروع الصين “صنع فى الصين 2025” والذى بموجبه ستكون الصين أكبر دولة مصنعة للإكترونيات والسيارات الكهربائية والمنتجات عالية التقنيات فى العالم، وتزيح أمريكا من وجهها تماما عن هذا المجال وتصبح دولة عديمة القيمة، وطبعا فيما بعد ستطال صناعة الطائرات والفضاء وخصوصا بعد مشروعات التطوير الكبيرة فى هذا الصدد مع الروس والأوروبيين.
تخشى الولايات المتحدة رفض الصين لإقتراحاتها هذه نظرا لقوتها الإقتصادية وانها لديها اكثر من 5 طرق للرد الموجع للولايات المتحدة اقلها المعاملة بالمثل على الواردات الزراعية الأمريكية وخصوصا الخمور والمكسرات والصويا.
الصين واليابان وفرنسا فى سان بطرسبرج:-
كان المنظر مبهج وجديد ان نرى 80% من صناع القرار العالمى على منصة واحدة والى جوارهم كرستين لاجارد رئيسة صندوق النقد الدولى – الصين هى الحليف الأكبر لروسيا استراتيجيا وهى وروسيا متحدتان الرأى فى كثير من القضايا وخصوصا الملفين الإيرانى والكورى الشمالى – كان لديهما توتر مع اليابان لعدة سنوات – إلا ان الصين اكبر دولة بها سيولة وسلة من العملات الأجنبية – بل وستصبح عملتها اليوان هى عملة المستقبل وربما سينافسها العملات الإفتراضية.
الصين لديها تجربة شيوعية يسارية ملهمة ومؤثرة – حاليا لديها ادنى معدلات فقر بالعالم لا تزيد عن 3.5% بالرغم من حجم السكان ولديها 1350 مليون تحت دائرة الرعاية الإجتماعية والصحية ويتمتعون بمعاشات جيدة – ويصل متوسط دخل المواطن الصينى حاليا ما يزيد عن 12400 دولار فى العام، وهذا يعتبر دخلا كبيرا حقيقيا مقارنة بعدد السكان وايضا، لأن الأسعار فى الصين هى الأرخص عالميا كونها بلد صناعى وزراعى ولم يهمل مجالا على حساب آخر.
كل من روسيا واليابان فى حاجة الى مهاجرين لأن كلا البلدين لديه ازمة ديموغرافية، واليابان تحديدا على شفا كارثة اقتصادية ضغوطا امريكية لبيع صفقات اسلحة وقاعدة امريكية، وعلى الجانب الآخر زيادة اجمالى معاشات التقاعد بمعدل الضعف على الأقل من عوائد الدولة من الضرائب والخدمات والتعريفات الجمركية، ومعدلات انجاب منخفضة على حسب تقارير يابانية، وكذلك تحتاج اليابان، لاستكمال نموها كثالث اكبر اقتصاد فى العالم، للطاقة من روسيا – وتحتاج حلا للأزمة الكورية التى تستغلها امريكا للحصول على مزيد من الإتاوات من جانبها، الأمر الذي يسبب ضغوطا شعبية على حكومتها، وايضا تشعر اليابان بتغير البوصلة العالمية طرف الحليفتين الصين وروسيا اكثر.
أما روسيا فهى اكبر دولة فى العالم من حيث المساحة والموارد الطبيعية، وتحتاج لتنمية فى غالبية المناطق الروسية، ويد عاملة كفء ومدربة، حتى تتمكن روسيا من استكمال طريق ريادتها للعودة كقوة عالمية لاعبة التى بالفعل قطعت فيها شوطا طويلا استراتيجيا وعلميا وثقافيا، وكانت الأفضل فى الحرب على الإرهاب ودحره خصوصا فى سوريا، الا انها لا زالت تحتاج للمزيد من السكان للحفاظ على هذه القوة والثروة، بقدر حاجتها لتطوير الأنظمة المالية والتكنولوجية والشراكة الأكبر مع شركاء جدد تستفيد منهم فى مناطق الإخفاق، سواء أكانت الحليفة الصين، او الحليفتين الجديدتين فرنسا واليابان، بقدر حاجة نفس الحلفاء للطاقة والقوة الإستراتيجية الروسية – ومن هنا نجد نكز بوتين لـ ماكرون “إذا كنتم تريدون حماية من امريكا فلتعطوا روسيا الفرصة“.
أيضا بعد القرارات الفاشلة التى اصدرها ترامب فيما يخص التعريفات الجمركية الجديدة على واردات الحديد والألومنيوم من الخارج وخصوصا على اوروبا، ومنها تحديدا فرنسا التى تمثل الإتحاد الأوروبي كثانى اكبر اقتصاد بعد ألمانيا وعلى كندا والمكسيك – يجعل هناك روحا من التقارب بين المضارين من هذه العقوبات، ويجعل نفس الفكر الروسي وسبقتها فيه إيران للاتجاه شرقا وجنوبا نحو اسيا وخصوصا الصين والنمور الآسيوية، وامريكا اللاتينية، وافريقيا، للتحايل على هذه العقوبات وإزالة تأثيرها. فأمريكا المتصهينة التى يقودها مجموعة من اللوبيات الصهيونية، ولوبيهات الغذاء والسلاح والأدوية – لن أقل الطاقة لأن القرارات الرئاسية الأمريكية ورعونتها رفعت اسعار النفط والغاز بشكل كبير – تعتقد واهمة انها وبمفردها يمكنها قيادة العالم كما كان منذ 30 عاما سابقة وحتى بداية هذه الحقبة.
إلا أن حتى مديرة صندوق النقد الدولى؛ الذي يخرب البلدان اكثر مما يعمرها ويصلحها، والذى جعل شعب الأردن ينتفض مؤخرا فى إيقاف فرض ضريبة جديدة على المحروقات لسد مديونية البلاد للصندوق التى وصلت 35 مليار دولار؛ أقرت أخيرا من على منصة سان بطرسبرج أن الأحادية والغطرسة والحمائية الشديدة أضرت الإقتصاد العالمى، وأضرت بصورة الصندوق، وأن فى هذا الوقت على الشراكة والثقة ان تصبحا الحل الوحيد لمشاكل العالم الإقتصادية.
قمة باريس للشراكة الصينية الأوروبية:-
تنطلق يوم الثلاثاء المقبل قمة الشراكة الصينية الأوروبية، والتى اثمرت العام الماضى على عام السياحة الصينية فى اوروبا، واستقطاب 100 مليون سائح صينى لزيارة اوروبا، اى ما يعنى ضخ ما لا يقل عن 100 مليار يورو فى الخزائن الأوروبية، لإصلاح العجز بها وخصوصا بعد الضغوط الأمريكية وممارسات الناتو على دول اوروبا فيما يخص العقوبات على روسيا وكذلك إيران والأضرار التى لحقت بهم لسنوات ماضية بسبب هذا التعنت وكذلك خروج امريكا من الاتفاق النووى 5+1 مع ايران.
جدير بالذكر ان حجم التجارة اليومى بين الصين واوروبا يتخطى المليار يورو، أى أكثر عشر مرات من الشراكة عبر الأطلنطى مع أمريكا، وذلك لعدة اسباب التعاون على المستوى التكنولوجي والفضاء والصناعة وايضا فى المجال السيبرى والعسكرى والطاقة وحماية البيئة وتحسين صحة البشر- الصين دخلت والتزمت باتفاقية باريس للمناخ فى حين أن امريكا بسبب ترامب خرجت منها بحجة انها تخلق بطالة للأمريكان – حيث كانت حجة امريكا لعدم دخولها للإتفاقية الصين والهند، وبعدما دخلا فيها خرجت هى.
الصين لديها من السيولة ما ينقذ اقتصاديات اوروبا وسد العجز فى اى ميزانية، وخصوصا بعد الضغوط على اليورو وتهديد عددا من الدول من الخروج منه ان كان ضد مصالح بلده واستقرارها، والحكومة الإيطالية الجديدة على مقربة من هذا القرار بالخروج من منطقة اليورو، بسبب ضغوط العمالة والمهاجرين والعجز الكبير الذى يصيب ميزانيتها وعدم القدرة على الوصول لهذه القيمة المبهمة 2% من التضخم.
الصين من خلال مبادرتها طريق الحرير، تفتح الباب للجميع للانضمام لهذه المبادرة، والتى وصل عدد اعضائها الى حوالى 66، منهم 20 دولة اوروبية، منهم 16 دولة فى وسط وشرق اوروبا وقعت الصين معهم اتفاقية مؤخرا، وسميت إتفاقية 16+1.
وسيشارك فى هذه القمة عدد 200 من افضل الشركات ورجال الأعمال فى الصين، مع 200 من افضل رجال الأعمال والشركات الكبرى فى اوروبا على حسب وكالات انباء اوروبية وصينية، وهذا يوضح لنا الأهمية القصوى وعدد الصفقات الذى يمكن ان يعقد بين القارتين الصينية والأوروبية.
وتعد الصين سوقا كبيرا للمنتجات الأوروبية، نظرا لإرتفاع مستوى الدخل فى الصين، وعدد السكان، وايضا من افضل مناطق العالم للاستثمار المربح بشكل سريع، وكونها القوة الإقتصادية الأولى بالمعايير الفعلية وليس السياسية، وكذلك مواقف الصين القوية مع حلفائها روسيا وايران وكوريا الشمالية وتخريب كل خطط امريكا للنيل منهم مجتمعين، كما يلاحظ المتابعين عبر العالم – كذلك احترام الصين التام للقانون الدولى وقواعد الملكية الفكرية وحرية التجارة.ولا يمكن أن يخفى على المتابعين، القوة العاملة من أوروبا وأمريكا داخل الصين بشكل رسمى وغير رسمي، كمديرين ومشرفين ومدرسين ومدربين، غير رجال الأعمال نظرا لإرتفاع رواتب الأجانب المؤهلين داخل الصين، ورغبة الصين فى تعليم الشعب الصينى اللغات الأجنبية والممارسات العالمية حتى تكون على استعداد للمرتبة الأولى التى بالفعل وصلت لها، والأهم والأخطر استراتيجيا حاجة اوروبا لبديل كبير ومحترم يمكنه ان يحل محل الولايات المتحدة استراتيجيا واقتصاديا وهذا يتوافر فقط فى الصين.
قمة منظمة شنغهاى للأمن والتعاون فى شنجداو:-
بداية أود التصحيح حيث قد ذكرت سابقا أن “هيبي” ربما تستضيف قمة منظمة شنغهاى للتعاون فى هذا الشهر – ولكن فى الحقيقة هى استضافت بعض الإجتماعات التحضيرية ولكن لحسن الحظ فإنها ستعقد فى احد اهم موانى الصين – وقد قمت بتدريس اللغة الإنجليزية فيها العام الماضى، وهى مدينة “شنجداو” بمقاطعة شاندونج الصينية.
وهذه القمة ستكون مصيرية، وخصوصا فيما يتعلق بعدة جوانب وخصوصا، حماية ودعم حلفاء الصين وروسيا المؤسستان للمنظمة “إيران وكوريا الشمالية” ومحاولة تقويض اى عقوبات يمكن ان تلحق بهما من خلال عقد اتفاقات تجارية اكبر معهما وربما قبول عضوية ايران بشكل أساسي وليس بصفة مراقب.
ربما سيتم إتخاذ قرارات تتعلق بسيادة العملة الصينية “اليوان” فى التعاملات بين الدول الأعضاء والتعامل بالعملات المحلية أيضا فيما بينهما لضرب ما يسمى تعريفات أمريكية على الواردات كرد فعل قاسم للاقتصاد الأمريكى.
ربما سيتم طرح موضوع الكونفدرالية بين الدول الأعضاء وعدم الإحتياج لتأشيرة دخول بين مواطنى الأعضاء الدائمين، كذلك دعم مشاريع الشراكة الإقتصادية والتجارة الحرة فى منطقة اوراسيا هذا المشروع الروسي الكازاخى، والذى دخلت فيه الصين وإيران ومصر، كوسائل بديلة لحماية الدول الأعضاء، وجذب مستثمرين أجانب وجدد إليها، وهو أمر هام ومشترك ما بين قمة سان بطرسبرج وقمة منظمة شنغهاى للتعاون.
أيضا وجود فرصة مواتية للتقارب مع اوروبا بعد موضوع التعريفات الأمريكية ولا توجد فرصة مواتية اكثر من ذلك لجذب مستثمرين من اوروبا الغربية للإستثمار ما بين الدول الأعضاء وسيساعد فى ذلك القانون الوروبي الذى سيعاد تفعيله لحماية الشركات الأوروبية من العقوبات الأمريكية وربما نجد المتحدثة باسم الإتحاد الأوروبي والفرنسيين مدعويين للقمة.
وطبعا التصدى للإرهاب وخصوصا من جماعات تم نقلها لأفغانستان تسمى “داعش خراسان” وايضا تقويد دور “طالبان” فى باكستان وافغانستان تلك المجموعات المدعومة للاسف امريكا وخليجيا.
وما نستخلصه من المقاربات الثلاث:-
– أمريكا فى وضع سيء ومعزول ويسهل الإضرار بها وخصوصا من خلال مؤتمرات وقمم وتكتلات معدة مسبقا بشكل استراتيجى جيد.
– فى لحظة ما ستنسلخ اوروبا عن خالتها سيئة السمعة امريكا، حتى لا تتعرض لهزات واضطرابات اجتماعية شديدة وخصوصا مع حالة الضعف والعجز الإقتصادى وقلة السيولة، وستفضل مصالحها الشخصية عن شراكة تجعلها فى مرتبة العبيد.
– لا نعتقد ان عضوية الناتو اصبحت ضرورية، وخصوصا بعد محاولة ابتزاز ترامب للدول الأعضاء ومحاولة حثهم على دفع رسوم عضوية سنوية لتخفيف العبء على امريكا، ولن تستطيع دولا مثل المانيا وفرنسا فرض ضرائب جديدة على مواطنيها لسداد ديون دول اخرى فى شرق ووسط اوروبا – خصوصا بعد قوانين العمل الأوروبية الجديدة التى تنصر أصحاب العمل على العامل.
– تصريحات ترامب منذ شهور عن ضرورة تشكيل قوة اوروبية استراتيجية جديدة بعيد عن الناتو وما رايناه يؤكد ذلك.
– إيطاليا وتهديدها الكبير بالإنسحاب من منطقة اليورو.
– فتشوا عن الصين ودورها فى التحالف الجديد الذى يرسم من خلال مبادرة طريق الحرير والذى يركز على اوراسيا واوروبا مع الصين والذى سيخرب كل مخططات امريكا فى المنطقة مع مرور الوقت.