من يجرؤ على المبادرة ؟
غالب قنديل
تستمر سياسة لبنان الاقتصادية والمالية كرقصة الدراويش وهي تجتر نفسها في لحس المبرد من غير أي وقفة جدية شاملة لاستخراج عبر التجربة رغم النتائج الكارثية لمرحلة ما بعد اتفاق الطائف وما عرف بالعهد الإعماري.
تغلق جميع الأبواب والمسالك التي تفتح فرصا جديدة يتيحها لنا الواقع الدولي والإقليمي فالنخبة العقارية والمالية الحاكمة التي أعيد إنتاجها في الانتخابات النيابية متمسكة بارتباطها الوثيق بالغرب النيوليبرالي وبدول الخليج بينما يتهيب ناقدوها من تنكب مسؤولية القرار الاقتصادي وخوض معركة تصحيح تتزايد محفزاتها ويسد أي ممر متاح لتوسيع شبكة الشراكات والعلاقات الإقليمية والدولية.
مصالح لبنان القريبة والبعيدة اقتصاديا وسياسيا تفترض الانفتاح على القوى الصاعدة في الشرق والمحيط الإقليمي المباشر أقله بمعيار التوازن بين المحورين ورفض الانقياد الأحادي إلى أي منهما كما يزعم الخطاب اللبناني الرسمي المعتمد حول ما يسمى بالنأي وهو في الممارسة مجرد نأي عن التوازن أو الحياد.
عندما تشهد دول اوروبية كاليونان وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال وغيرها نقاشا سياسيا عاصفا يظهر نزعة قوية للتفلت من أسر النيوليبرالية الأميركية وهيمنتها المشددة ونظامها السياسي والأمني الطاغي في العديد من الدول يصبح من الأولى مراجعة الخيارات في بلد كلبنان يعيش ازمة اقتصادية ومالية خانقة وهو معرض لأخطار العدوان والهيمنة في منطقة عاصفة ومشحونة بالمخاطر.
تفيض الوقائع المتداولة بحوافز للتفكير غير التقليدي لكن يفترض ان يتجه العقل السياسي للقوى المتمردة على الهيمنة داخل السلطة وخارجها نحو أفكار وطروحات جديدة تحقق استثمارا لبنانيا لفرص النمو والتقدم التي تتيحها التحولات في المنطقة والعالم.
اولا ماذا يمنع لبنان من طلب مفاوضات اقتصادية ومالية مع جمهورية الصين الشعبية تتضمن شروط انضمامه إلى مبادرة الطوق والطريق الصينية التي تشمل المنطقة العربية وبحث سلة الديون اللبنانية والخيارات المتاحة لتمويل إعادة جدولتها والمشاريع الإنمائية التي يمكن للصين ان تتولاها في لبنان في جميع مجالات البنية التحتية والصناعة والزراعة والتصنيع الزراعي وهي بلد الخبرات المتنوعة والقدرات الهائلة والملاءة المالية الفائضة بينما يكبل لبنان نفسه بشروط سياسية غربية وخليجية تمس سيادته وتهدد استقراره كما تبين من سلال العقوبات ومسار مفاوضات مؤتمر سيدر وتوصيات بروكسيل التي استدعت ردا لبنانيا قاسيا.
ثانيا ماذا يؤخر لبنان عن اتخاذ خطوات عاجلة للتفاوض مع سورية والعراق وإيران حول العلاقات الثنائية والإقليمية وآفاقها في مجالات التبادل التجاري والتعامل المصرفي والمناطق الحرة المشتركة والروزنامة الزراعية والتعاون السياحي والنقل البري وهذا هو مغزى السياسة الخارجية المتوازنة بين المحورين بدلا من الالتصاق الذيلي والمرضي بالمحور الغربي السعودي مقابل قطيعة لا يبددها سيل التصريحات اتجاه شركاء طبيعيين تجمع لبنان بهم قضايا مشتركة ومصالح حيوية.
ثالثا ما هي الفائدة من إدارة الظهر للعروض الروسية الدفاعية والاقتصادية ولماذا لا يتم التوقيع على اتفاق التعاون مع الأسطول الروسي بينما تقدم الحكومة اللبنانية تسهيلات امنية وعسكرية للقوات الأميركية في لبنان بذريعة الحصول على مساعدات هزيلة خاضعة للفيتو الصهيوني وقيوده المشددة التي تحظر على جيشنا امتلاك ما يستكمل عناصر منظومة الدفاع الوطني خصوصا في مجال الدفاع الجوي بل إن في ذلك التعاون الأمني المستمر مدخلات اختراق خطيرة خبرنا بعض نتائجها خلال عدوان تموز.
إذا لم يتحرر اللبنانيون من منطق قوة العادة ولم يقطعوا تعايشهم البليد مع ما فرض عليهم عنوة بعد حرب كارثية ليفكروا في مستقبلهم متحررين من كل ما أرسته الطغمة المالية العقارية من بديهيات مزعومة فعبثا يحاولون شق طريق جديد في مناخ حافل بالتحديات والفرص التي لا تنتظر الخاملين.