بري.. الثابت إبراهيم عوض
من حق كل متطلع الى لبنان شامخ سيد حرّ مستقلّ حاضن لأبنائه وطوائفهم أن يفرح بإعادة إنتخاب نبيه بري رئيسا لمجلس النواب وللمرة السادسة. فمعه وبوجوده على رأس السلطة التشريعية والركن الثاني في ثلاثية الحكم لا بد أن نشعر بالاطمئنان والأمان .
الاطمئنان الى أن وطننا محصّن ومصان ولا خوف عليه من مرض سياسي عُضال يزعزع كيانه. وكثيرة هي الأمراض التي أصابته وخرج منها سليما بفضل مقدرة وحنكة الدكتور “أبو مصطفى” الذي كان يخترع الدواء المناسب في اللحظة الحرجة، كما فعل بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري حين ابتدع طاولة حوار وجاء بالأضداد ليتحلقوا حولها، مضيئا بذلك شمعة في الظلام الذي كان يخيّم على البلد، وما لبث أن اتسع نورها ومعه تراجعت نسبة الاحتقان الذي كان معششا أفقيا وعموديا.
سبق ان كتبت هنا في “الانتشار” أن الرئيس نبيه بري لا يعترف بالمستحيلات. وقلنا انه رجل لكل الفصول. وسيد من أطفأ الأزمات وعالج عوارضها بعد ذلك للحؤول دون تجددها. والأهم الأهم أنه ما فعل ذلك الا وفقا للثوابت التي يتمسك بها ويسير على هديها، وفي مقدمها نبذ الطائفية وتغليب المصلحة الوطنية على أي مصلحة أخرى. أوَ لم يكن المبادر بالدعوة الى إنشاء الهيئة الخاصة بإلغاء الطائفية السسياسية التي نصّ عليها اتفاق الطائف؟!. أوَ لم يكن أكثر الملحين والعاملين على تحصيل ثروة لبنان النفطية علّها تزيح عن كاهله أو تخفف قدر الامكان من عبء الديون الجاثمة فوق صدره منذ سنوات؟!
في السياسة لا مكان للمساومة مع الرئيس نبيه بري. ولا مجال البتة للتنازل عن شبر من الحقوق، خصوصا إذا كان الأمر يتعلق بالوطنية والعروبة. أما المقاومة فشأن آخر خاص عنده. إذ هو يحميها برموش العينين ويضرب على يد كل من يمسّها بسوء، ولطالما أَسمع زواره من كبار القوم في بلاد “العمّ سام” وغيرهم، أن عليهم ألاّ يخطئوا بالكلام عنها أمامه. وكثيرة هي المرات التي غادر فيها هذا الموفد الكبير أو ذاك “عين التينة” مكفهر الوجه. ومن يرغب في معرفة المزيد ما عليه سوى مراجعة أرشيف لقائه مع وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس يوم جاءتنا في الأيام الأولى من حرب تموز 2006 حاملة معها غطرستها وشعارها الجاف “الشرق الاوسط الجديد” الذي كان الرئيس بري أول من نعاه مسبقاً في حضرتها.
أنا بكل صراحة وصدق، من الذين ما فتئوا يرددون بأن وجود هذه القامة الوطنية المتجسدة في نبيه بري نعمة للبنان. وهذا يسري على الامين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصر الله، اللذان لولا حضورهما في الساحات وحكمتهما لشهدنا صراعا سنياً – شيعياً بكل ما في الكلمة من معنى البغض والكراهية وما قد ينتج عنهما من مصائب لا بل كوارث.
تخيلوا أيّها الأعزاء، ويوم تأزمت الأوضاع بين الطائفتين حتى بلغ حدّ “التنقل الجغرافي” في أكثر من منطقة، المصير الذي كنا سنؤول اليه لو لم يكن هناك الأستاذ نبيه والسيد حسن.
نعم.. لا بد لنا من الاعتراف بفضلهما على تهدئة الخواطر وإصلاح ذات البين. وليس عن عبث يواظب الرئيس بري على المناداة بضرورة الحفاظ على العيش المشترك وتكرار القول بأن اللبنانيين عائلة واحدة وأي سوء يلحق بأحدهم إنما يمتدّ على الباقين جميعا.
على هدي هذا التوجه سار ويسير النبيه. غير مكترث لخسارة أو انتقاد حتى لو جاء من نافذِ خارج الحدود. وأود أن أكشف هنا للمرة الأولى، على سبيل المثال لا الحصر، ما عشته شخصيا في العام 2002 حين كنت مدير مكتب صحيفة “الشرق الأوسط” في بيروت، إذ قام الرئيس بري بزيارة الى البطريريك مار نصر الله بطرس صفير في بكركي بهدف تطويق “الصرخة المسيحية” التي أخذت في الامتداد ضد الوجود السوري حينذاك. وقد قوبلت مبادرته باستياء سوري عبّر عنه مسؤول بارز للصحيفة المذكورة، لكن هذا لم يردع الرئيس بري عن المضي في سعيه ممسكاً بخرطوم الاطفاء عملا بالثوابت المضبوطة الايقاع عنده..
مبروك للبنان ثباته على الثابت نبيه بري ومعه سنتفاءل بالغد ونجده بإذن الله.