بقلم غالب قنديل

الحملة الأميركية ضد إيران

غالب قنديل

تكشف الشروط السياسية التي تضمنتها كلمة وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو حول إيران حقيقة الاستهداف الأميركي الذي يتمحور على كسر إرادة الاستقلال الإيرانية وردع الدور الإيراني النشط في دعم قوى المقاومة والاستقلال المناهضة للحلف الاستعماري الصهيوني الرجعي في الشرق.

الرد الإيراني على التهديد تضمن التمسك بخيارات الاستراتيجية الإيرانية التي انطلقت مع قيام الجمهورية بالتحرر من الهيمنة الأميركية الصهيونية على البلاد وتدمير ركائزها السياسية والاقتصادية والأمنية التي كانت قائمة في عهد نظام الشاه العميل ودوره الإقليمي الوظيفي كتابع للهيمنة وحليف رئيسي لإسرائيل.

لدى الشعب والقيادة في إيران تجربة طويلة وممتدة منذ ذلك الزمن مع تدابير الحصار والعقوبات المشددة التي فرضتها الولايات المتحدة ودول الغرب مباشرة ومن خلال الأمم المتحدة استنادا لفبركة تهمة القنبلة النووية التي افتضح كذبها أمام العالم في السنوات الأخيرة وبالذات خلال مفاوضات الاتفاق النووي.

لا تفت من عضد إيران تهديدات بومبيو وترامب وأي من أركان الإدارة الأميركية فلم توفر واشنطن في العقود الماضية تدبيرا متاحا او إجراءا مؤذيا يمكن اتخاذه ضد إيران دون ان تجربه ويعلم العالم بأسره ان إرادة الاستقلال والتحرر والعزم على مقاومة الهيمنة الاستعمارية والشراكة في بناء وضع إقليمي ودولي جديد خارج السيطرة الاستعمارية هي ما تمسك به الشعب الإيراني وتطلع إليه كما هو متمسك بعزته القومية وكرامته الوطنية وثقافته المناصرة لحركات المقاومة في المنطقة التي تستهدف عدوا مشتركا هو التحالف الأميركي الصهيوني الرجعي الذي يريد لإيران كل الأذى والضرر.

الحملة الأميركية الراهنة تتعمد التهويل والتهديد وهي محكومة بالفشل نتيجة إرادة الصمود الإيرانية المجربة ولأن توازن القوى الدولي والإقليمي بات أفضل لمصلحة إيران التي تتميز قيادتها بالصبر والمثابرة والخبرة في التعامل مع المتغيرات بحزم وبكل دهاء حين يتطلب الأمر ذلك.

أولا خلال العقود الماضية ومنذ انتصار الثورة ترسخت علاقات إيران الدولية مع مجموعة البريكس وأنشأت شراكات اقتصادية متشعبة وراسخة لاسيما مع روسيا والصين ومجموعة شانغهاي وقد اتخذت إيران في السنوات الأخيرة خطوات متقدمة لتطوير هذه الشراكات الاقتصادية والمالية والتكنولوجية في جميع المجالات وحققت الشراكة بين إيران وهذه الدول وغيرها تطورات واسعة في التبادل التجاري.

ثانيا بفضل اليقظة السياسية والاستراتيجية تسعى إيران مع شريكيها روسيا والصين لتحويل الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي إلى فرصة لتبلور واقع عالمي جديد من خلال توفير الفرص المتاحة لأوروبا في اختبار قابليتها للشراكة بعيدا عن إملاءات واشنطن دفاعا عن مصالحها المهددة والمستهدفة بالعقوبات الأميركية التي تطال روسيا والصين وإيران وغيرها من الدول الحرة والمناهضة للهيمنة.

ثالثا الموقف الإيراني الذي أعلنه المرشد الإمام السيد الخامنئي والذي توجه به إلى الدول الأوروبية محددا معايير اختبار المصداقية الذي تخضع له أمام إيران وفي الموقف من الاتفاق النووي وانطلاقا من عدم الثقة بهذه الدول التي تظهر التجارب مقدار انصياعها للإملاءات والطلبات والأوامر الأميركية يشكل صياغة ذكية وصارمة لموقف سياسي توازيه رزمة من المصالح والفرص الاقتصادية الدسمة لتي سبق ان تدفقت وفود الشركات الأوروبية لاستكشافها في طهران منذ توقيع الاتفاق.

رابعا إلى جانب هذا النهج في التعامل الحذر والمشروط مع أوروبا أكدت إيران تمسكها بالخيارات السيادية في صناعاتها الدفاعية المتقدمة واستعدادها لتطوير التخصيب النووي والمضي به في حال تقاعست أوروبا عن ضمان استمرارية تطبيق الاتفاق بالتعاون مع روسيا والصين والوكالة الدولية من خلال توفير بدائل عملية وتدابير كافية وموثوقة في مجابهة العقوبات الأميركية وقد فهمت الرسالة الإيرانية ومضمونها : لاوقت للمراوغة والتحايل.

خامسا أمام إيران وروسيا وسائر المهددين في العالم بعقوبات واشنطن مفارقة صارخة عن حصيلة مغامرة ترامب بفرض عقوبات تجارية ضد الصين فقد تكشفت واقعيا عن فشل ذريع بعدما فرضت التداعيات على الإدارة الأميركية التراجع رغم سعيها عبر البروباغندا الإعلامية لتصوير ما جرى على انه تراجع صيني والحقيقة هي العكس تماما فالرئيس الأميركي هو من تحدث عن قطيعة تجارية مع الصين واتخذ تدابير جمركية ضد الصين وهو الذي اضطر للتفاوض والتراجع عن التدابير التي اتخذها بعدما ردت الصين باجراءات قاسية استشعرت آثارها السلبية أوساط الأعمال الأميركية القريبة من البيت الأبيض.

سادسا التبدل المحقق في توازن القوى العالمي لم يعد يتيح للولايات المتحدة فرض عقوبات بواسطة الأمم المتحدة ضد إيران فهذا الزمان انقضى وأيا كان الخيار الأوروبي ومقدار خروجه على الطاعة الأميركية باتت الشراكة الإيرانية الوثيقة مع روسيا والصين عامل ردع كامل حقوقيا ودبلوماسيا لصالح إيران المحصنة بصدقية التزاماتها الدولية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى