مقالات مختارة

نصرالله حدّد «ساعة الصفر» لمعركة القلمون والحريري أمام اختبار «صدق النيات» ابراهيم ناصرالدين

 

عندما دعا الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الفريق الآخر الى مرافقة المقاومة الى سوريا والانضمام الى الحرب المفتوحة ضد الارهاب، كان يعرف مسبقا انه لن يضطر الى ارسال الباصات او تحديد اماكن التجمع لجمهور ومسؤولي 14آذار الذين يرغبون في الالتحاق بركب هذه المعركة، وانما دعوته كانت اغلاقا وحسما للنقاش حول ما يعتبره الاخرون تدخلا في الحرب السورية، وهو انتقال الى مربع جديد، ومعادلة مبتكرة، مفادها ان السؤال لم يعد بعد اليوم، لماذا حزب الله هناك، وانما لما انتم ما زلتم هنا؟

من الواضح ان السيد نصرالله رفع سقف التحدي امام الرئيس الحريري وتيارالمستقبل ومعهما 14آذار، من خلال تبنيه العلني لاقتراح رئيس الحكومة السابق في البيال حول بناء استراتيجية وطنية لمكافحة الارهاب، وبرأي اوساط بارزة في 8 آذار، يبقى السؤال هل يريد «التيار الازرق» حقا الذهاب بعيدا في التفاهم مع حزب الله حول الوسائل وموجبات هذه المواجهة الملحة على المستوى الوطني؟ مع العلم ان الوقت ليس مفتوحا امام «التيار الازرق» المطالب بالكثير من الافعال والقليل من الاقوال في المرحلة المقبلة مع وجود اكثر من استحقاق داهم ليس أخطره بدء ذوبان الثلج في مرتفعات القلمون.

ووفقا لتلك الاوساط فان بناء استراتيجية ناجحة تحتاج اولا واخيرا الى ارادة سياسية صادقة للعبور بالبلاد الى «شاطىء» الامان، واولى الخطوات المطلوبة من حيث الشكل توسيع اطار الحوار الثنائي بين حزب الله وتيار المستقبل ليشمل باقي الافرقاء على ان يكون البند الوحيد هو كيفية العمل لمواجهة الخطر التكفيري، وهذه المهمة يمكن ان توكل الى التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية بعد ان وصل الطرفان الى قناعة بان الملف الرئاسي مستعصٍ على الحل في المدى المنظور في ظل تمسك كلا الطرفين باستراتيجيته ورؤيته في هذا الاستحقاق، وبناء عليه يجب تبديل الاولويات وجعل مكافحة التطرف على راس هذا الحوار، لان في ذلك مصلحة وطنية بشكل عام وحاجة مسيحية على وجه الخصوص، واذا صدقت النيات يمكن ان يشكل الثنائي المسيحي ومعهما حزب الكتائب الرافعة الاساسية لهذه الاستراتيجية. لكن من اين يجب ان يبدأ النقاش؟

براي تلك الاوساط، فان نقطة الانطلاق الاولى يجب ان تكون الاتفاق على تعريف«الارهاب» بعيدا عن تكرار «الاسطوانة المشروخة» حول مسؤولية حزب الله في استدراج النيران السورية الى لبنان، فتجاوز هذه النقطة يعتبر محوريا في نجاح اي بحث جدي في مواجهة التطرف داخل الحدود وخارجها، وهذا الامر يقتضي عدم وجود استثناءات او مبررات تخفيفية لبعض التنظيمات الاصولية التي تتلطى وراء الصراع مع «داعش» لتقديم نفسها بأنها اقل غلوا، او اسلاما «معتدلا». وهنا ليس المطلوب اي تنازلات متبادلة، فملف الجيش الحر ليس على بساط البحث، ولم يعد مصدرا للخطر، وليس هو بالنسبة الى محور المقاومة عصابة مسلحة خارجة عن القانون ومشكلتها مع النظام في سوريا، واذا ما ارادت قوى 14 آذار اعتباره جزءا من «الثورة» فلن يتوقف احد عند هذه النقطة، وسيتم تجاوزها، كما حصل خلال السنوات الاربع الماضية.

لكن ان يدور النقاش حول ماهية توصيف فرع تنظيم القاعدة في سوريا، والتفكير مليا ما اذا كان ارهابيا ام لا، فهذا سيدلل على ان الطرف الاخر غير جاد في الوصول الى قواسم مشتركة، فهذا الامر لا يحتاج الى الكثير من التمحيص، فـ«ابو محمد الجولاني» لا يزال على عهده ومبايعته لايمن الظواهري، وخلافه مع «ابو بكر البغدادي» على السلطة وليس على العقيدة، ويمكن لقوى 14آذار ان تستعين بقاموس حليفها الاميركي للاستدلال على تعريف «الارهاب». ومن ليس مقتنعا بهذه المعادلة او بهذا «القاموس» يمكنه ان يبني الخصام مع هذا التنظيم على قاعدة اعلانه الحرب على الجيش اللبناني في 2آب الماضي، واجتياحه الاراضي اللبنانية، وخطفه جنودا لبنانيين وتصفية عدد منهم، اليس هذا بالامر الكافي لتصنيف «النصرة» تنظيما ارهابيا؟ اما اذا كان ثمة رأي آخر، فليخرج اصحابه الى الرأي العام اللبناني لتقديم تبريراتهم في هذا الصدد.

طبعا هذا السيناريو الواقعي، يتحول الى آخر، افتراضيا، اذا ما تم الاخذ بعين الاعتبار شبكة المصالح والمخاوف المعقدة ليس فقط لدى قوى 14آذار وانما لدى النائب وليد جنبلاط غير المستعد في هذه المرحلة ان يخطو باتجاه ما يعتبره «خطوة» ناقصة اتجاه الازمة السورية من «بوابة» استعداء «جبهة النصرة» وتوريط «بيئته الحاضنة» في مشاكل يعتقد انه قادر بسياسته «الفجة» والمتطرفة تجاه النظام السوري ان يحميها، ولذلك من المستبعد ان يغامر ويدخل في اي تفاهم مفترض حول استراتيجة موحدة لمكافحة الارهاب. في المقابل يبدو حال رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع كحال الرئيس سعد الحريري، حيث تنعدم قدرة الرجلين على الذهاب بعيدا في هذا السياق قبل معرفة اتجاه «الرياح» السعودية في المنطقة، فالملك سلمان بن عبدالعزيز أظهر حتى الان ميلا «براغماتيكيا» في رؤيته للتطورات في المنطقة، وهو يبدو اكثر ميلا لتبني «لعبة المصالح»، وثمة ترقب في المملكة لتطورات الإتصالات بين إيران والولايات المتحدة، وكثيرون يعتقدون ان الملك سيعمل في هذا السياق لحجز مكان للمملكة على «الطاولة» سعيا لمقايضة سياسية قد يكون عنوانها العريض حجز مكان للسعودية في الاتفاق النووي الأميركي – الإيراني، الذي لم يعد قادرا على منع حصوله، والدخول في مقايضة يستخدم فيها «ورقة» «النفط»، فيساهم مجددا بارتفاع الاسعار ووقف سياسة التخفيض المقصودة، مقابل ضمانات على هامش الاتفاق النووي تتعلق بالملفات الساخنة في المنطقة وفي مقدمتها الملف السوري، وقد يكون المبعوث الاممي ستيفان دو ميستورا قد اعطى اولى هذه المؤشرات من خلال الاعلان ان الاسد هو جزء من الحل في سوريا، وهذه «المعادلة» يمكن تعميمها على حلفاء واشنطن في المنطقة وفي مقدمتهم السعودية التي قد تضطر الى التراجع لاحقا عن موقفها القطعي والنهائي من عدم التعامل مع الرئيس بشار الأسد، وقد يكون المدخل المناسب لهذا الامر المعركة المفتوحة ضد الإرهاب، وبالانتظار، لن يكون بمقدور قوى 14آذار التقدم بخطوة نحو حزب الله والجلوس معه تحت هذه «المظلة» حتى تحسم الرياض امرها وتعرف دورها في المعادلة الجديدة.

لكن هذا الانتظار على ضفة 14 آذار، ليس على جدول اعمال الفريق الاخر، فتلقف السيد نصرالله لدعوة الحريري، لا تعني ابدا تجميد استراتيجية الحزب الراهنة، ولأن قائد المقاومة يعرف ان الوقت من «ذهب» فهو وضع امام هؤلاء مساحة زمنية محددة لحسم موقفهم للالتحاق بالحرب المفتوحة على الارهاب، وعندما حذر من ذوبان الثلج على الحدود الشرقية، لم يكن يحاضر في المناخ، ولم يكن يقرأ في «الفنجان»، فثمة قرار متخذ لدى محور المقاومة باقفال نهائي لهذه الخاصرة النازفة على الحدود مع سوريا، والخطط العسكرية التي انطلقت معالمها في جنوب سوريا، وفي ريف حلب، ليست منفصلة عن الخطة العسكرية الموضوعة لحسم المواجهة في القلمون وجرود عرسال ومنطقة الزبداني، ومبكرا وضع السيد نصرالله قوى 14 آذار وتيار المستقبل امام مسؤولياتهم الوطنية في هذه الحرب التي فرضت على لبنان، وهو ابلغ الجميع وعلنا ان القرار قد اتخذ، وحزب الله والجيش السوري سيكونان جنبا الى جنب مع الجيش اللبناني في هذه المعركة، والمطلوب موقف حاسم وعملي من الاخرين لان اي موقف «رمادي» قد تكون تداعياته سيئة على الداخل اللبناني، والرئيس الحريري بصفته رئيس تيار «الاعتدال» وحامل لواء الدعوة الى استراتيجية وطنية لمكافحة الارهاب، عليه تأمين الغطاء السياسي الكامل للجيش في هذه الحرب منعا لاي ارتدادت سلبية سيتحمل هو مسؤوليتها اذا ما استمر طويلا على «رصيف الانتظار».

(الديار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى