مقالات مختارة

روسيا واشتباك الجولان أحمد الحاج علي

 

موسكو – أضافت الأحداث الأخيرة على خط المواجهة بين محور المقاومة و الكيان العبري تحديات جديدة لروسيا التي تسعى لتخفيض وتيرة التصعيد، فالرد على الخروقات و الإعتداءات الإسرائيلية أكان سورياً أم إيرانيا هو ردٌ فعل منطقي على عدوان مستمر فتح جدولاً جديداً في حساب الصراع الدائر على الجغرافيا السورية بإرتباطاته الإقليمية. و روسيا تخشى تحول مواجهات مسرح العمليات السوري إلى إشتباك “إسرائيلي” إيراني، ما يُعيق مساعي موسكو التي شارفت على إنجاز حلول متقدمة لتحقيق الإستقرار وبسط النفوذ .

من هنا يمكن فَهم تصريحات المسؤولين الروس تعليقاً على الغارات الصاروخية المتبادلة إذ إعتَبَرَ نائب وزير الخارجية الروسية ميخايل بوغدانوف أن ” ما يحدث من تصعيد وتبادل الضربات بين الإيرانيين والإسرائيليين، يثير الأسف الشديد لأنه يجري على أرض دولة ذات سيادة هي سوريا”، إضافة لتصريحات الوزير لافروف ” موسكو أكدت لتل أبيب رفضها الاستفزازات الإسرائيلية والإيرانية المتبادلة،” ووصف التصعيد الأخير بين البلدين بالمقلق.

   بالطبع هناك من يحاول تحييد سوريا كدولة عن اشتباك ايراني إسرائيلي وكأن كل ما حدث خلال الأعوام الثمانية الماضية وما حصل قبلها لا علاقة للكيان العبري بالتسبب به و الوقوف خلفه فضلاً عن كل الدعم الذي تتلقاه المجموعات الإرهابية المسلحة من الكيان الصهيوني.

   و بالرغم من الغموض و التناقض في التصريحات الروسية المتعلقة بتسليم منظومات أس 300 لسوريا، يتلخص الدور الروسي في المرحلة القادمة من ناحية في إتخاذ إجراءات ممكنة لتطوير وسائل الدفاع الجوي السورية ما يُعيق قيام ” إسرائيل” بضربات محتملة مستقبلاً مشكلاً عاملَ ردعٍ إستراتيجي، و قد أثبت الجيش العربي السوري المدعوم من محور المقاومة بما فيهم الخبراء الإيرانيين قدرات و مهارات عالية في إستخدام وسائل الدفاع الجوي و معظمها روسية الصنع في إعتراض أشرس الهجمات الصاروخية التي شُنَّت على سوريا.

   روسيا قد تبرر تجميدها صفقة الأس 300 مع سوريا بحجة منع التصعيد مع تل أبيب إذ أن الهجمة الأميركية، الفرنسية البريطانية قد تم إستيعابها و لم يعد تكرارها وارداً في الأفق أما الهجمات الإسرائيلية فتوازن قوى الردع مع الوساطة الروسية يكفي لوضع حد لها!

   من ناحية أخرى يحاول الروس إحتواء ردود فعل محور المقاومة و إقناع إيران بالإمتناع عن القيام بضربات صاروخية مقابلة بعد حصول موسكو على معلومات تفيد عن تحضيرات “تساحال” جيش الإحتلال الإسرائيلي لعملية برية على الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة يَدخُل فيها في مواجهه مباشرة مع قوى محور المقاومة الذي ستكون إيران حاضرة في مسرح عملياته بشكل فعلي.

   أما حول ظروف الوضع الميداني الراهن فإن طهران و محور المقاومة عموما معنيون بالدرجة الأولى بإستكمال تطهير معاقل المسلحين في الوسط و الجنوب السوريين لنقل الإمكانيات و الجهود العسكرية ليس بإتجاه الحدود مع الجولان المحتل بل بإتجاه محافظة إدلب و بإتجاه منطقة شرق الفرات المتبقية تحت سيطرة المجموعات المسلحة.

   في تلك المنطقة يتم تقرير مصير النفوذ السعودي في سوريا إذ يعتبر مراقبون و خبراء روس أنه يشكل أولوية سورية وهو كذلك بالنسبة لإيران و محور المقاومة مقارنة مع الإتجاه الإسرائيلي الذي شَهِدَ تكتيكياً مرحلة ستاتيكو نسبية في الأعوام الماضية.

   و ترى مصادر مطلعة روسية أن ” إسرائيل” تسعى بإستمرار لإستفزاز إيران بهدف تعقيد مهمة دعم الدول الأوروبية فرنسا، بريطانيا و ألمانيا لتنفيذ خطة العمل المشترك الشاملة المنبثقة عن الإتفاق النووي مع إيران بعد خروج الولايات المتحدة منه، فقيام قوى محور المقاومة بضرب أهداف إسرائيلية عملياً تُتَهَم إيران بالدور الأساسي فيه من شأنه أن يزيد من تشدد الموقف الأميركي وانصياعه للرغبة الإسرائيلية وقد يدفع بواشنطن للقيام بعملية عسكرية ضد إيران و محو رالمقاومة في سوريا كون إسرائيل غير جاهزة بحسب المصادر المراقبة المطلعة لخوض مواجهة منفردة ضد إيران و محورالمقاومة و حتى لو إقتصرت على مسرح العمليات السورية.

الصواريخ التي أصابت أهدافاً حساسة في الجولان المحتل قرأت فيها الدول الأوروبية الثلاث عواقب خروج الولايات المتحدة من الإتفاق النووي و خطة العمل الشاملة المشتركة و أَخرجت من التداول اي حسابات أو تكهنات حول” تفاهم” روسي إسرائيلي سعودي للحد من النفوذ الإيراني مقابل وضع النظام السوري تحت وصاية و رعاية روسية. فعلى خلفية الحشد و الجهوزية العسكرية الكاملة المرتبطة بالضربات المتبادلة سافر رئيس وزراء الكيان العبري بنيامين نتنياهو إلى موسكو ً وسط معلومات تتيح تطور مسارات متعددة. و رغم أن مصادر مطلعة افادت بتوجيه الرئيس بوتين تحذيراً لنتنياهو خلال دعوته الى موسكو للمشاركة في أعياد النصر على الفاشية القديمة! و رغمَ أن نتنياهو قدم الى روسيا مستنجداً مطالباً بوتين بالتدخل لوقف التصعيد إلا أن هذه الزيارة و في هذا التوقيت أثارت إحراجاً و إنتقاداً لبوتين و الإدارة الروسية. لا سيما و أن تراجع موسكو عن تسليم صواريخ أس 300 لسوريا أتى بعد هذه الزيارة رُغم تأكيد الناطق الرسمي بإسم الكرملين دميتري بيسكوف على عدم إرتباط زيارة نتنياهو بتسليح سوريا بتلك المنظومات.

و اشارت المصادر الروسة المطلعة عموماً إلى إستبعاد رغبة إيران أو إسرائيل بالتصعيد و إخراج الإشتباك من حدود مسرح العمليات السورية الحالي. الأمر الذي ينسجم مع تصريحات وزير الخارجية الروسي الذي لا يرى رغبة في التصعيد لدى جميع الأطراف.

   و لتحقيق الولايات المتحدة أولويات وجودها في شمال الشرق السوري وتحديداً في منطقة شرق الفرات والتي تتمثل بإنشاء هيكليات سلطات تنفيذية محلية بديلة مدعومة سعودياً، عليها أي الولايات المتحدة الأميركية تجنب المواجهات القتالية المباشرة في تلك المنطقة، أما الإسرائيليون من خلال ضرباتهم فهم يدفعون إيران و المحور بإتجاهات جديدة نحو الجنوب السوري و ليس بإتجاه منطقة شرق الفرات، الأمر المفيد لواشنطن عموما وهو يَصُب في مصلحة تنفيذ مخططاتها.

عموماً نستنتج أن الجميع معني بالحفاظ على مستوى نسبي من التوتر و التصعيد المحدود دون إتساع رقعة و مساحة الإشتباك على نطاق مفتوح.

يبقى الإشكال الأساسي الروسي مع واشنطن حيث تحاول موسكو اللعب على التناقضات بين الولايات المتحدة و دول أخرى نسجت موسكو معها علاقات متفاوتة إلا أن الروسي يدرك بأن ايران و محور المقاومة عموماً هو ضمانة لنفوذه ولوجوده في سوريا و في المنطقة في الوقت الذي يعتبر فيه “اسرائيل” حاملة طائرات أميركية ثابتة على ارض الشرق الأوسط.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى