وماذا عن الذين قاطعوا ؟ المحامي انطوان ع. نصرالله
لم يحدّد اليومُ الانتخابيُّ الطويل الأحجام الحقيقية للقوى السياسية كون القانون الانتخابي سمح للبعض منها بالانتفاخ غير الطبيعي على حساب الواقع، إضافة الى التحالفاتِ الهجينة الغريبة والتي تبدّلت بنسبة 180 درجة من دائرةٍ انتخابية الى أخرى، ما جعل الكلُّ فائزاً ووحدها العملية الديمقراطية خاسرة …
وبعيداً من لغة الأرقام والأحجام يمكننا أن نسجّلَ الملاحظات التالية:
شابت العملية الانتخابية مشكلات تقنية ولوجستية معتادة وكأننا في العام 1996 او 2000 او 2009 .المشكلات والصعاب هي هي إن في لوائح الشطب أو الفرز أو عند المندوبين او عدم تجهيز الأقلام بما يسهّل العملية الانتخابية.
هذا من الناحية الإدارية اما من النواحي الاخرى فإنّ جميع القوى المرشّحة استعملت شعاراتٍ انتخابية باهتة وسخيفة واعتمدت على برامج سطحية لم تقدّم شيئاً جديداً للحياة السياسية اللبنانية، وأقلّ ما يقال فيها انها Déjà vue، اضافة الى خطابٍ سياسيٍّ غريب ارتكزت عليه الأحزاب خوّن وشيطن كلَّ مَن لم يتّفق معها أو بالأحرى مع رئيس الحزب، وقدّس وغفرَ خطايا الذين انتظموا باللوائح الحزبية المفبرَكة وفقاً لقياسات صغيرة…
عدا قلّة من المرشحين تمّ التعاطي مع الناخب كزبون يجب بيعه المرشح بكافة الوسائل المتاحة من ترهيب وترغيب وإقناع وتمنع… مع الأسف لقد تحوّل أولئك الصامدون المؤمنون بالعملية الديمقراطية الى مجرّد أصوات تفضيلية لمَن لا يشبههم، أو لشخصياتٍ حزبية متعطشة الى المراكز… وكل مرشح منها يثرثر على آخر مرشح معه، ما يؤكّد بأنّ الأحزابَ ضُربت من الداخل، ولم تعد تفرز قيادات، وإنما متنفعين لا همّ لهم إلّا السيطرة على مركزٍ ما تماماً كقائد الحزب الذي وصل الى حيث هو إما بالتوريث أو بالتأبيد أو بتحكّم الزوجات بمفاصل اللعبة الداخلية… هذا الواقع برّر لمَن يقبض على السلطة الحزبية بأن يستعينَ بأناسٍ وشخصياتٍ ورجالِ أعمال لا يشبهون أحزابَهم ولا تطلّعات محازبيهم الذين علقوا بين واجبهم الحزبيّ الضيق وبين المدى الثوري الذي كانوا يحلمون به… انهارت الأحزاب كفكرة تغيّرية وتحوّلت الى قوى إقطاعية جديدة ترتدي ربطة عنق وتكثر من استعمال مساحيق تجميل في محاولة فاشلة لإخفاء التجاعيد الظاهرة للعيان، وهي تحتاج لكي تستحقَّ اسمَها الى مأسسة صحيحة وروحٍ متجدّدة وتحديثٍ حقيقيّ ما يحتّم على المنتمين اليها أولئك الطاهرين الرائعين بالتزامهم والذين سيخرجون من المعركة النيابية بخفّي حنين، أن يدركوا أنه وفي حال فقدان أيِّ ركيزة من الركائز الثلاث أعلاه يتحوّل الحزبُ الى إقطاع جديد فكيف إذا فقدت الركائز كلها ما يحتّم عليهم الثورة على أحزابهم الخانعة…
لم يستطع ما يُسمّى بالمجتمع المدني أن يستفيدَ من التوقيت الرائع لقلب الطاولة على رؤوس السلطة فتلهّى بمشكلاته الداخلية وبأسماء المرشحين… وفي هذا الإطار ألم يكن من الأفضل له أن يركّز جهدَه على دائرةٍ أو دائرتين فيُحدث الفرق فيهما؟؟؟
ازداد عدد المقاطعين للانتخابات، البعض أعاد السبب للقانون، وآخرون لعدم إيمان المواطنين بإمكانية التغيير، والبعض الآخر أرجع السبب الى أنّ القوى المتنافسة لم تستطع الحشدَ كون الانتخابات الماضية كانت تجرى على وقعِ تنافسٍ سياسيٍّ حاد أو على وقع الدم، والبعض أرجعها الى يأس الناس من الأحزاب… أعتقد بأنّ جزءاً من الحقيقية يكمن في كل ما قيل، أما الجزءُ الأهم فهو أنّ المجموعة المقاطِعة قرّرت عن سابق تصوّرٍ وتصميم أن تهاجرَ سياسياً وفعلياً من لبنان حتى ولو كانت تسكن فيه… وفي هذا كل الحقيقية…