بقلم غالب قنديل

قرار ترامب والصراع مع إيران

غالب قنديل

طغى التوتر وحبس الأنفاس في المنطقة بعد إعلان الرئيس الأميركي سحب توقيع واشنطن على الاتفاق النووي مع إيران بينما جرى الاحتفال بخطوة ترامب في تل أبيب والرياض وفي التوقيت عينه صدرت مواقف اوروبية من لندن وباريس وبرلين تعلن التمسك بالاتفاق والالتزام بقيادة مساع تفاوضية جديدة مع إيران بينما سبق لكل من موسكو وبكين التحذير من الخطوة الأميركية المتوقعة ونتائجها.

اولا البديل الأميركي للاتفاق وفقا لترامب هو تثبيت العقوبات التي جرى تخفيف وطأتها بنسب محدودة بعد التوقيع عليه في اواخر ولاية باراك اوباما وبالتالي تثبيت النهج الأميركي العدائي المعتمد ضد إيران منذ انتصار الثورة وقيام الجمهورية.

استطاعت إيران تنمية قدراتها الاقتصادية والدفاعية والتقنية والعلمية رغم الحصار الغربي الذي قادته الولايات المتحدة وقد كانت علاقات إيران بدول الشرق لاسيما روسيا والصين والهند وبالدول المتمردة على المشيئة الأميركية في العالم هي الرئة التي قاومت بفضلها الحصار الأميركي والغربي وطورت قدراتها الذاتية بإرادة استقلالية صلبة وبالتصميم على كون إيران في المنطقة قلعة تدعم وتساند كل إرادة حرة في مجابهة الحلف الاستعماري الصهيوني وادواته وهذا ما ضاعف من هيبة إيران ومن قدراتها الاستراتيجية ومن حضورها الوازن في معادلات المنطقة.

ثانيا التمايز الأوروبي الواضح يعبر بقوة عن حقيقة التوازنات والمصالح التي فرضت التوقيع الغربي على الاتفاق الذي تمت المصادقة عليه في مجلس الأمن الدولي والسلوك الأوروبي قام منذ ثلاثين عاما على بناء شبكة المصالح التجارية والسياسية مع إيران ضمن الحدود التي تسمح بها الولايات المتحدة وقد سبق غير مرة لمنظومة العقوبات الأميركية ان حظرت على الحكومات الفرنسية والبريطانية والألمانية تجميد عقود واتفاقات ضخمة مع إيران بسبب الضغوط الأميركية الصارمة.

الموقف الأوروبي المتمسك بالاتفاق يعبر عن تفاهم مسبق مع الإدارة الأميركية على استثمار انسحاب الولايات المتحدة وعودتها للعقوبات المشددة في اختبار فرص تعديل الاتفاق وقد كشف الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون عن الوجهة المنشودة وهي التأثير على موقف إيران في سورية والعراق واليمن والأكيد في فلسطين أي ان وجهة الضغط القادم على طهران بعد قرار ترامب هي موقفها السياسي الداعم لحلفائها في محور المقاومة والانسحاب الأميركي والعقوبات الأميركية ليست سوى ادوات ضغط لخلخلة الصمود الإيراني بينما يفتح الأوروبيون أبواب التفاوض السياسي.

ثالثا تراكمت لدى الشعب الإيراني خلال العقود الماضية كمية كبيرة من الوعي والخبرة في مقاومة الضغوط والعقوبات الغربية وقد تسلح بإرادة الاستقلال وتمسك بالعزة القومية في أصعب الظروف وتمتلك إيران القدرات والإمكانات التي تؤهلها لمواجهة الوضع الجديد بالشراكة مع حلفائها في المنطقة والعالم فالمعركة الدائرة في جوهرها ما تزال معركة الشعوب ضد الهيمنة الأحادية الأميركية وضد الصهيونية العالمية التي تحكم قبضتها على القرار الأميركي في عهد هذا الرئيس الموتور.

روسيا والصين الشريكان الكبيران لإيران في هذه المعركة وغيرها من معارك التصدي للهيمنة ولخرق قواعد الشرعية الدولية لهما مصالح مباشرة في تمكين إيران من التغلب على الضغوط السياسية والاقتصادية وفي تعزيز قدراتها على الصمود ولن تجدي مناورة الرئيس الأميركي بتجميد تفاوضي للجبهة الكورية مقابل تحريك الجبهة الإيرانية فالجبهتان متناظرتان في الأهمية ولإيران اهمية راجحة كونها في قلب المجال الحيوي للمصالح الاستراتيجية الصينية والروسية وهي حلقة رئيسية في سلسلة مقاومة تم اختبار حيويتها وقيمتها العالية في الكفاح الروسي والصيني ضد الغطرسة الأميركية والأحادية الطاغية في العالم واستهداف إيران ليس سوى فصل جديد من التحرك الأميركي الذي يستهدف إخضاع روسيا والصين ومكانتهما العالمية التي تعززت بالشراكة مع إيران وخصوصا في المحور السوري.

رابعا القوة الإيرانية الرادعة وصلابة محور المقاومة ستكون بالمرصاد في مجابهة التهويل بالحروب واختبارات القوة السابقة التي قام بها جنرالات البنتاغون أعطت العبرة لمن يفهم ويقرأ ولا جدوى من تحريض السعودية والكيان الصهيوني على الحروب والتصعيد العسكري بينما كلاهما عاجزان عن تحمل العواقب الكارثية لاشتعال جبهات الصراع في المنطقة سواء كان الاختبار في سورية ام في مغامرة الاشتباك المباشر مع إيران فالأكيد ان التداعيات لن توفر هدفا محتملا في فلسطين المحتلة او شبه الجزيرة العربية والدوران السعودي والصهيوني في السعي إلى إلغاء الاتفاق سيكون عائدهما خطيرا على الرياض وتل أبيب إذا اندلعت الحرب الكبرى التي يهولون بها ضد محور المقاومة.

إنها جولة جديدة من الصراع على مستقبل المنطقة والعالم يجب ان يستعد لها محور المقاومة وسائر قوى الاستقلال والتحرر في المنطقة والعالم وستكون الحصيلة تثبيتا لمعادلات صنعتها الشعوب ويستحيل الارتداد عليها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى