بقلم ناصر قنديل

على هامش انتخابات الاغتراب: ناصر قنديل

لا يجوز إفساد الفرحة اللبنانية بإنجاز أول مشاركة للاغتراب اللبناني بالانتخابات النيابية بسرد الملاحظات التي يجب قولها في أي بحث هادئ يطال هذا المسار، وسيكون حاضراً بقوة في الانتخابات المقبلة، طالما أنّ نسبة التسجيل والمشاركة في هذه الدورة بدتا أقرب لتمرين أوّلي، واحتفال وطني، ولا يمكن بسبب حجم المشاركة المحدودة التي تقارب 1 في المئة من عدد المقيمين في بلاد الاغتراب، اعتبار هذه المشاركة مؤثرة في نتائج الانتخابات، لكن الملاحظات السريعة التي ظهرت مع التمرين الأول لا تقتصر رؤيتها علينا، بل يراها الآخرون، منهم الدول التي تجري على أرضها الانتخابات وتستضيف أعداداً كبيرة من اللبنانيين، لكنها تتخذ موقفاً سياسياً واضحاً نحو عناوين اللعبة السياسية اللبنانية الداخلية ولا يُحرجها القول إنها ليست على الحياد فيها، وإنها تسعى علناً لترجيح كفة على كفة في أيّ استحقاق، ولا تُخفي تدخلها في الانتخابات داخل لبنان، فكيف عندما يجري بعض فصولها على أراضيها، ما يجعل الجولات اللاحقة مصدراً للانتباه والاهتمام من زوايا مختلفة، عندما تصير النسبة فوق الـ 10 في المئة من المقيمين في الخارج ويصير لها وزنها في تقرير نتائج الانتخابات وتحديد صورة المجلس النيابي .

لم تخفِ الدول الغربية ولا دول الخليج، حيث أغلبية الاغتراب اللبناني، أن عنوان مقاربتها للانتخابات النيابية، ومثلها للسياسات اللبنانية، صار معلناً وهو إضعاف حزب الله وقوى المقاومة. ووصلت واشنطن في الحديث عن العقوبات بالتهديد بإضافة اسمي رئيس الجمهورية ورئيس المجلس النيابي إلى لائحة المعاقبين بتهمة دعم حزب الله، وبدا واضحاً في مشهد الانتخابات في السعودية أن تيار المستقبل والقوات اللبنانية يسيطران على الصورة، بالأعلام والهتافات والمندوبين، وليس مستغرباً أن يحظى حلفاء السعودية بتسهيلات لا يحظى بها سواهم، مقابل استحالة ظهور أي علم أو مندوب أو صورة، للتعبير عن حضور لحزب الله كفريق رئيسي في العملية الانتخابية. وما يصحّ في السعودية يصحّ في أغلب الدول الخليجية والغربية من باريس إلى واشنطن، وما بينهما، وهذا أمر لا يمكن تجاهله في سلامة العملية الانتخابية، وتكافؤ الفرص فيها، خصوصاً إذا تنبّهت هذه الدول في المرات المقبلة، وهي متنبّهة جداً، لكيفية التأثير في خيارات الناخبين على أراضيها بقوة الإمساك بلقمة عيشهم، بعدما كانت في الماضي تحاول استعمال هذا الضغط للتأثير على حجم واتجاه مشاركة العاملين فوق أراضيها إذا قرّروا المجيء إلى لبنان في موسم الانتخابات فتدقق في وجهة خياراتهم، وغالباً يمتنع بعضهم عن المجيء كي لا يتّهم بدعم قوى المقاومة ويدفع مصدر رزقه ثمناً.

النجاح اللوجستي والإداري والتنظيمي لعملية الاقتراع للمغتربين يستحقّ التقدير، لكن البعد السياسي الذي تساهل حزب الله من منطلقات وطنية، في اعتباره سبباً للطعن بالعملية الانتخابية في الخارج في ظل الحظر الذي يطاله ويطال حلفاءه، والملاحقة التي ستطال مؤيديه ومنتخبي لوائحه، يجب أن ينال حقه في النقاش مع المجلس النيابي الجديد والتعديلات التي ستطال قانون الانتخابات النيابية في ضوء التجربة.

– بالتأكيد تجب مواصلة تشجيع المشاركة الاغترابية، وبالتأكيد يجب التنبّه لمخاطر منح دول عربية وأجنبية منصات وفرص التدخل لصياغة أي مجلس نيابي يولد من العملية الانتخابية، من بوابة الإمساك بالانتخاب الاغترابي وحجم تأثيره، كلما اتسعت المشاركة، لذلك تبدو الصيغة الأسلم هي ربط التصويت للوائح المتنافسة عن الدوائر الانتخابية اللبنانية بالذين يصوّتون في لبنان، وربط التصويت الاغترابي بدوائر مخصّصة للمغتربين لا يزيد عدد مقاعدها عن 10 في المئة من أعضاء المجلس النيابي، وتطبق عليها المعايير ذاتها التي تطبق على تشكيل اللوائح وإجراء الانتخابات في الدوائر الانتخابية الأخرى، فتضمن للاغتراب مشاركة تتخطى مجرد حق الانتخاب ليصير هناك مقاعد لتمثيل الاغتراب يختارها المغتربون أنفسهم، تعبّر عن حضورهم في قضايا التشريع والمراقبة النيابية، ونقل همومهم واهتماماتهم، وتحصّن المجلس النيابي من مخاطر التلاعب بهويته عبر التدخّلات الأجنبية، وتضمن عبر التسجيل المسبق فرز الراغبين بالمشاركة بصفتهم الاغترابية في العملية الانتخابية عن الراغبين بالمشاركة في دوائرهم المحلية في لبنان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى