الطعن بالموازنة… يُحرج «الدستوري»: الدستور أم السياسة؟: إيلي الفرزلي
غياب قطع الحساب دون سند قانوني… أبرز عناصر قبول الطعن
الطعن في دستورية قانون موازنة 2018 أخذ طريقه القانونية. اليوم محطته الأولى في المجلس الدستوري. هل يُعلَّق القانون إلى حين اتخاذ القرار بشأنه، بعد نحو شهر من الآن؟ وما هي الاحتمالات المطروحة أمام المجلس؟
يعقد المجلس الدستوري، عند العاشرة من قبل ظهر اليوم، جلسة للنظر في الطعن المقدم بقانون موازنة عام 2018. هل يعلِّق المجلس في ختام اجتماعه مفعول النص المطعون فيه إلى حين البتّ بالطعن، كما فعل عند نظره في الطعن المقدم بقانون الضرائب، في العام الماضي، أم لا؟ وفيما تردد أن التعليق يمكن أن يكون جزئياً، كأن تعلّق المادة 49 من الموازنة (حق الإقامة لمن يتملّك شقة)، إلا أن ذلك يبقى نادر الحدوث، إذ درجت العادة أن يؤخَذ بقرار من اثنين: إما التعليق أو عدمه. علماً أنه في حال التعليق، يفترض بالمجلس أن يبلغ نسخة عن القرار إلى كل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة، وينشر في الجريدة الرسمية، أسوة بالقانون المطعون فيه.
بعد اتخاذ القرار بالتعليق أو عدمه، تبدأ إجراءات دراسة الطعن بتعيين مقرر يبقى اسمه سرياً، ومهمته إصدار تقرير بنتيجة الدراسة التي يجريها، خلال عشرة أيام. على أن يلتئم، بعدها، المجلس خلال خمسة أيام، للتداول في موضوع الطعن. وتبقى الجلسة مفتوحة إلى أن يصدر القرار، في مهلة أقصاها خمسة عشر يوماً، بأكثرية سبعة من عشرة أعضاء.
يعبّر أكثر من مسؤول عن قلقه من تلك اللحظة، هل يبطل المجلس الدستوري الموازنة فعلاً (بحسب المادة 37 من قانون إنشاء المجلس الدستوري، فإنه في حال إبطال القانون المطعون فيه كلياً أو جزئياً، يعتبر النص المبطل كأنه لم يكن)؟ وما هي تبعات هكذا خطوة؟
تقنياً، تؤكد مصادر قانونية أن إبطال الموازنة ليس كارثة، وهو لا يعني حكماً تجميد عمل الحكومة، كما يجري في الولايات المتحدة على سبيل المثال في حال تأخر إقرار الموازنة. وتجدر الإشارة إلى أن موازنة 2018 لم يبدأ تنفيذها سوى منذ أسبوع (تاريخ نشرها في الجريدة الرسمية)، وهذا يعني أن عمليات الإنفاق والجباية، كانت في الأشهر الثلاثة الأولى من السنة تجري وفق القاعدة الاثني عشرية، على أساس موازنة 2017. وبالتالي في إلغاء قانون الموازنة، إعادة إحياء للقاعدة الاثني عشرية لفترة مؤقتة، لكنه سيؤسس لانتهاء مرحلة مخالفة الدستور في إعداد الموازنات التي تلي.
يعتمد الطعن المقدم على مخالفة قانون الموازنة للمادة 87 من الدستور، الذي ينص على أن «حسابات الإدارة المالية لكل سنة يجب أن تعرض على المجلس ليوافَق عليها قبل نشر موازنة السنة الثانية التي تلي تلك السنة».
لم يأت القانون المطعون فيه على ذكر قطع الحساب نهائياً، وهو أمر لم يسبق أن حصل يوماً، فالمجلس النيابي كان يقرّ الموازنات مع تحفظ ديوان المحاسبة على قطع الحسابات غير المدققة، حتى عام 2005، ثم عمد في عام 2017 إلى صيغة تنص على أنه «على سبيل الاستثناء ولأولويات الانتظام المالي العام ينشر هذا القانون، وعلى الحكومة إنجاز جميع الحسابات المالية المدققة منذ عام 1993 وحتى عام 2015 ضمناً، خلال فترة لا تتعدى سنة اعتباراً من تاريخ نفاذ موازنة 2017».
وقد اعتمد البعض على هذه المادة لتبرير عدم التطرق إلى قطع الحساب في موازنة عام 2018، انطلاقاً من أن فترة السنة المشار إليها في موازنة 2017 لا تزال سارية المفعول (تنتهي في تشرين الأول المقبل). إلا أن هذه الحجة لا تبدو متوافقة مع المادة 87 من الدستور، التي تلزم المجلس النيابي بالموافقة على حسابات عام 2016 قبل إقرار موازنة 2018، وهي السنة غير المشمولة بالصيغة التي أقرها المجلس في موازنة 2017 (بين 1993 و2015).
ذلك يعني عملياً أن غياب قطع الحساب يشكّل مخالفة واضحة للدستور، تفرض على المجلس قبول الطعن، نظرياً. لكن هذا الطعن ليس محصوراً بمخالفة المادة 87. فالمادة الأشهر في الطعن هي المادة 49 التي تعطي الأجنبي الذي يتملك شقة على الأراضي اللبنانية حق الإقامة. بعيداً عن مضمون هذه المادة التي كانت سبباً في توجيه رئيس الجمهورية رسالة إلى المجلس النيابي (عاد وجمّدها بعد تقديم الطعن بالتوافق مع رئاسة المجلس)، فإن وجودها في الموازنة يشكّل، بحسب الطعن، مخالفة للمادة 83 من الدستور، التي تشير إلى سنوية الموازنة، فيما المادة المشار إليها تضع أحكاماً عامة لا علاقة لها بمالية الدولة في سنة محددة، ويفترض أن تقر بقانون مستقل. كذلك يتطرق الطعن إلى مسألة مخالفة القانون للمهل الدستورية المحدد لتقديم الموازنة والصلاحية الرقابية للبرلمان.
بحسب خبير دستوري مطلع، فإن الطعن المقدم هو سابقة يفترض أن تشكل فرصة لإعادة الانتظام المالي واحترام الدستور. هو يجزم بأن قوة الطعن تتعلق بمخالفته المادة 87 من الدستور (قطع الحساب)، آملاً أن يكون النص الدستوري هو المعيار الوحيد لدراسة الطعن المقدم. مع ذلك، لا يتوقع المصدر أن يصل الأمر إلى حد إلغاء القانون كلياً، مرجحاً أن يكون الإلغاء جزئياً، كأن تلغى المادة 49، التي لن يسبب إلغاءها أي إشكاليات مالية أو قانونية، بل على العكس سيكون سبباً لتخفيف الإشكاليات القانونية التي يمكن أن تنتج أثناء التطبيق.
وبالنظر إلى مسار القرارات التي أصدرها المجلس الدستوري، يرى المصدر أنه مهما كان قرار المجلس الدستوري، إلا أنه لا بد أن تكون له تبعاته الإيجابية على طريقة إعداد الموازنات، التي تعد منذ «الطائف» بشكل استنسابي مخالف للدستور. أبسط الأمور أن يعمد المجلس، إذا أبقى على القانون، بحجة الخشية من الانعكاسات الاقتصادية لإلغائه، أو تحت ضغط التدخلات السياسية، إلى تكرار تجربة تقديم مطالعة دستورية في القانون موضوع الطعن، أسوة بالطريقة التي تعامل بها مع الطعن المقدم بالقانون الثاني للتمديد. فيؤكد القانون، بالاعتماد على مبدأ المصلحة العليا للدولة، مقابل تثبيت القواعد الدستورية في إعداد الموازنات المقبلة، منهياً تاريخاً من المخالفات، المتعلقة بحشو الموازنة بمواد يفترض أن تصدر بقوانين مستقلة، وتعيد الاعتبار إلى التدقيق بالحسابات المالية للدولة، بعد أن تكون وزارة المالية قد أنهت تصحيح الحسابات، على ما هو متوقع.
في المادة 37 من قانون المجلس الدستوري، إشارة إلى أنه «إذا لم يصدر القرار ضمن المهلة القانونية يكون النص ساري المفعول وينظم محضر بالوقائع ويبلغ رئيس المجلس المراجع المختصة عدم توصل المجلس إلى قرار». يرجح المصدر الدستوري أن يكون ذلك بعيد المنال انطلاقاً من وضوح المخالفات الدستورية التي يتضمنها قانون الموازنة، وبالتالي فإن القرار يفترض أن يراوح بين الإبطال التام للقانون والإبطال الجزئي له.
(الاخبار)