مقالات مختارة

البوابة لم تُغلق بعد: حيمي شليف

 

الرئيس دونالد ترامب هاجم أمس بشدة الاتفاق النووي «المجنون» مع إيران واعتبره كارثياً. وبوجود ايمانويل ماكرون إلى جانبه حذر ترامب طهران بلهجة مناسبة له بأنها ستواجه المشاكل وستدفع ثمناً «لم تعرفه بعد» إذا هددت الولايات المتحدة أو حاولت إحياء مشروعها النووي من جديد، وكأن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي أصبح حقيقة منتهية. بنيامين نتنياهو بالتأكيد كان مسروراً من اللهجة الشديدة لترامب، لكن هل هذا يعني أنه يستطيع النوم بهدوء؟ بالتأكيد لا .

ماكرون هو الشخص الطليعي المركزي في جهود اللحظة الاخيرة للمجتمع الدولي بشكل عام وأوروبا بشكل خاص لثني ترامب عن نية الاعلان أن إيران لا تلتزم بشروط الاتفاق، لذلك فهو يعتبر لاغياً. أنغيلا ميركل ستأتي إلى البيت الابيض وهي تحمل رسالة مشابهة، لكن ماكرون يتحمل العبء الاساسي.

مقابل كراهية ترامب الشديدة لبراك أوباما، التي تغذي جزءاً كبيراً من كراهيته للاتفاق النووي الذي حققه سلفه، يقف تفاخره الكبير بالعلاقة الخاصة وربما الغريبة مع الرئيس الفرنسي. ترامب سيبذل كل ما في استطاعته من أجل عدم التضحية بهذه العلاقة على مذبح إلغاء الاتفاق.

بسبب ذلك واضافة إلى أقواله الهجومية، ليس فقط في الموضوع الإيراني، بل في ظهوره المتكرر في وسائل الاعلام أمس، أسمع ترامب أيضاً تصريحات عامة يظهر فيها، وهذا يقلق نتنياهو، بأن البوابة للابقاء على الاتفاق لم تغلق نهائيا. ماكرون وميركل وجهات دولية اخرى يدفعون ترامب نحو الاكتفاء باتفاقات جانبية جديدة ـ في المرحلة الحالية بدون روسيا والصين والامم المتحدة، الذين وقعوا أيضاً على الاتفاق النووي ـ تهدف إلى تشديد العقوبات ضد إيران في مجال الصواريخ البالستية والتوسع الاقليمي، غير المشمولة في الاتفاق، إلى جانب تعهدات متبادلة حول كيفية التصرف إذا قامت إيران بخرق الاتفاق نفسه.

ربما أن ترامب بالمجمل أراد القيام ببادرة جميلة لماكرون من أجل أن يستطيع العودة إلى باريس وهو غير خائف، لكن في نفس الوقت هو يعد لنفسه ذريعة في حالة تراجعه عن إلغاء الاتفاق. ماكرون من ناحيته وفر لترامب الالتفاف الاعلامي الذي يستطيع أن يبيض انقلاباً كهذا: الامر يتعلق، كما يقول، باتفاق جديد تماما، وحتى أنه طبع قبلة غير دبلوماسية تماما على وجه الرئيس الأمريكي.

ترامب بذل جهداً في استقبال ماكرون بكل الاحترام والتقدير، مع السجاد الاحمر، و21 مدفعاً وعشاء رسمي، لكن لكونه ترامب، نجح أيضاً في إحراج ضيفه بشكل لا بأس به. الرئيس الأمريكي استغل ظهوره المشترك مع ماكرون من أجل التفاخر بالانجازات الاقتصادية لادارته، بعد ذلك هاجم ليس فقط خصومه الديمقراطيين، بل أيضاً سياسة التجارة للاتحاد الاوروبي التي ماكرون أحد عرابيها. وكنموذج لعلاقته مع ماكرون فقد رفع شيئاً ما عن معطف الرئيس الفرنسي واهتم بأن يعلن للمراسلين المندهشين أن الامر يتعلق بوبر. رجال الايتيكيت الدبلوماسي أُصيبوا بالحرج من كثرة الخجل. ولكن ماكرون، يجب عدم الخطأ، يعرف مع من يتعامل. خلافا لترامب الذي يتصرف بعفوية فان ماكرون هو سياسي ماكر ومنضبط ومتزن.

الرئيسان هما شريكان في المشهد السياسي الذي خلقاه عندما جاءا من مكان ما لتولي الحكم، لكن بهذا ينتهي التشابه بينهما. اضافة إلى عداء اليمين الأمريكي التقليدي لفرنسا الذي وصل إلى الذروة خلال فترة الحرب في العراق التي فيها رفضت فرنسا تأييدها، فان ترامب كان يتوقع أن لا يحتمل شخصاً مثل ماكرون. يوجد للرئيس الفرنسي كل الصفات، التي بصورة نظرية مكروهة على الرئيس الأمريكي أو غريبة عنه، شاب مثقف وعالمي ورجل ثقافة ومؤيد لجودة البيئة، مع ذلك نجحا في تطوير صداقة مدهشة، سواء كان الامر يتعلق بعرض عبثي أو بتجاذب بين نقيضين.

إن الوقوف الرافض لماكرون ضد ما ظهر وكأنه قرار لترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي، من شأنه أن يوضح لترامب الثمن الذي عليه هو والولايات المتحدة دفعه. الامر لا يتعلق فقط بالمخاطرة بمواجهة عسكرية مع طهران، وربما حتى اشتعال اقليمي شامل، بل بأزمة عميقة في العلاقات بين واشنطن وحلفائها الاوروبيين المؤيدين للاتفاق، وبضرر كبير لسمعة الولايات المتحدة. اللقاء القريب مع رئيس كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، الذي أكثر ترامب من التفاخر به أمس، وقف هو أيضاً في خلفية النقاشات بين الطرفين: ليس من المؤكد أن يكون مناسبا لترامب أن يأتي للقاء كهذا على خلفية قرار أمريكي أحادي الجانب لخرق الاتفاق النووي الموقع عليه، رغم أنه لا يوجد في أيدي واشنطن أي دليل على أن إيران خرقته.

لقد رمز ترامب أمس إلى أنه اتخذ قراره، وأن ماكرون يعرفه. ولكن من صيغة اقوال الرئيس الفرنسي يتبين أنه لم يفقد الأمل. ربما أنه يستند إلى حقيقة أنه حتى وقت قريب أيضاً كيم تلقى شتائم وإهانات من ترامب، وأمس وصف رئيس كوريا الشمالية بالاتزان والمسؤولية.

لدى ترامب المتقلب لا يمكن معرفة حتى الدقيقة التسعين كيف سيتصرف. نتنياهو ربما يظهر ثقة كبيرة بالنفس بأن ترامب سيحقق أخيراً حلمه ويقوم بإلغاء الاتفاق. ولكن بعد أن شاهد أمس قصة الغرام الفرانكوفونية للرئيس الأمريكي فليس مستبعداً أنه قد بدأ بقضم أظافره.

هآرتس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى