بقلم غالب قنديل

الإرتباك الأميركي مستمر

غالب قنديل

تزايدت مظاهر ارتباك الإدارة الأميركية بعد فشل العدوان على سورية ولم يبق لدول العدوان الثلاثي سوى اجترار اتهاماتها السابقة عن السلاح الكيماوي بينما باشرت عملها في دوما بعثة التحقيق التابعة لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية بالتعاون الوثيق مع الحكومة السورية.

يدور الجدل في أروقة البيت الأبيض والبنتاغون حول الخيارات الأقل كلفة في سورية وتطوف في مراكز تخطيط السياسات أفكار تلتقي على ضرورة تقليص الحضور الميداني الأميركي في تكيف ظاهر مع توازن القوى الذي أدى النجاح السوري في إحباط العدوان إلى ترسيخ ميله لصالح الدولة الوطنية السورية وحلفائها فماهي العوامل التي تحرك النقاشات الأميركية والخيارات المتداولة في سياقها.

أولا يلوح في الأفق تزايد احتمال تطور وتوسع مقاومة شعبية سورية ستضع الوحدات الأميركية في حالة اشتباك واستنزاف وهذا هو المحرك الرئيسي لهواجس دونالد ترامب ودوائر المؤسسة الحاكمة المأخوذة بفكرة جاهرها بها السفير السابق روبرت فورد عن حتمية نشوء مقاومة ستدعمها الدولة السورية وإيران وحزب الله متوقعا مصيرا للمقرات الأميركية في سورية يشبه ما جرى للمارينز في لبنان عام 1983 وقد لاحت بوادر نشوء مثل هذه المقاومة فعليا بهجمات وعمليات أحيطت أخبارها بتعتيم وتكتم شديدين.

ثانيا يمثل التناقض التركي الكردي أحد أهم مصادر الارتباك الأميركي في سورية حيث تخشى الولايات المتحدة خسارة الوحدات الكردية وهي القوة الميدانية الوحيدة الباقية للولايات المتحدة وحلفائها منذ انطلاق الحرب على سورية التي أكلت نيرانها مئات التشكيلات والرايات التي عول عليها الأميركيون وانهارت تباعا أمام الجيش العربي السوري وحلفائه رغم كل ما انفق على تجهيزها وتسليحها وتمويلها من سائر دول العدوان ومن موازنة البنتاغون رسميا.

ثالثا تهتم واشنطن بأولوية الاحتفاظ بولاء النظام التركي وانضباطه كحليف رئيسي لواشنطن وكدولة عضو في الناتو ويعزز القلق الاميركي من احتمال خسارة التبعية التركية النشاط الروسي الإيراني للاستثمار في مساحة الجفاء التركي الأميركي التي توسعت بعد الانقلاب الفاشل في تركيا ونتيجة اختبارات القوة التي استخدمت فيها موسكو وطهران سياسة العصا والجزرة مع رجب طيب أردوغان الذي يحرص على الرضا الأميركي بمقدار حرصه على عدم إغضاب روسيا وإيران وهو يتراقص في لعبة ابتزاز تفرض على واشنطن مداراته وقد اعتبر موقفه الداعم للعدوان الثلاثي بادرة ينبغي التمسك بها والبناء عليها.

رابعا بدا واضحا من العدوان الثلاثي تأثير معادلات الردع السورية التي فرضتها قدرات الحلفاء ومواقفهم من خلال جهوزية عسكرية كرستها البيانات والمواقف والتحركات الروسية والإيرانية في حين اضطر جنرالات البنتاغون والناتو ان يستعرضوا السيناريوهات السابقة لتهديدات باراك اوباما وخطر التزحلق إلى حرب كبرى قد تشعل البحار والمحيطات ومنطقة الخليج وستكون غير مضمونة العواقب.

خامسا كان التهديد بالعدوان الأخيرعلى سورية ذروة مهمة في حملة تصعيد وتهديد شاملة وقد برهنت سورية عمليا على امتلاك قدرة دفاعية وطنية انشأتها القيادة السورية وأعادت بناءها واستطاعت بفضلها من إفشال العدوان بالإمكانات الوطنية السورية وهذا مصدر قلق كبير للولايات المتحدة ولحلف الناتو الذين تحاشوا في خطة العدوان أي تعرض للمواقع الروسية او الإيرانية التي تركوا شأن الاعتداء على المواقع العائدة للحرس الثوري لإسرائيل الحائرة بعد خطاب السيد نصرالله في وجهة العقاب الإيراني القادم.

سادسا الخيارات المتداولة في كواليس مراكز التخطيط تتراوح بين اثنين حتى الآن وتنطلق من قرار سحب الوحدات الخاصة الأميركية كليا خلال الأشهر الستة التي منحها الرئيس الأميركي لبلورة البدائل اما الخياران المطروحان فهما:

         الخيار الأول نشر قوات من العشائر العربية هي كناية عن فصائل مجندة مع وحدات حماية الشعب الكردي في إطار ما يسمى قوات سورية الديمقراطية على ان تسند قيادة هذه الوحدات ومهام تدريبها لضباط من مصر والمملكة السعودية والإمارات وقطر والأردن وهذا هو المقصود بتعبير القوات العربية الذي شاع مؤخرا ومن المشكوك فيه نجاح هذه القوات إذا تشكلت بالصمود امام الجيش العربي السوري وحلفائه مع انطلاق عمليات تحرير محافظتي الرقة والحسكة.

         الخيار الثاني وهو محاولة فرض حظر جوي فوق المنطقة الشرقية في سورية وبينما يستذكر أصحاب الفكرة تجربة العراق فهم يتجاهلون حقيقة استحالة الحصول على الغطاء الأممي هذه المرة وجذرية الموقف السوري والروسي والإيراني بحيث سيتحول السعي إلى حظر الطيران في أي قطاع من الأجواء السورية إلى مواجهة عسكرية مباشرة ومكلفة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى