إسرائيل خائبة: نواجه محور المقاومة… وحدنا: يحيى دبوق
إن كان وصف إسرائيل للضربة الأميركية في سوريا أنها محدودة وموضعية و«ساذجة»، إلا أن تظهير أميركا ارتداعها في الساحة السورية، عبر محدودية الضربة، كان له وقع الانكسار في إسرائيل: ارتداع أميركي بدل ردع أعداء تل أبيب، يؤسس للهزيمة أو مسارها، ويفقد إسرائيل رافعة ضغط رئيسية، وربما وحيدة بلا تبعات لجهة فاعليتها، ضد أعدائها .
وصفت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الاعتداء الأميركي، الذي أملت إسرائيل أن يكون بطاقة حمراء ضد أعدائها في سوريا (النظام وإيران وحلفائهما) على أنه مجرد بطاقة صفراء باهتة جداً، وظهّر أميركا أنها هي المردوعة بدل أن تردع. اصفرار البطاقة وبهتان لونها، أكدا للجميع أن واشنطن مصممة فعلياً على تجنب التورط في مواجهة مع روسيا، وأيضاً مع إيران، والارتداع هو من تبعات هذه المواجهة وما سيليها. وفي الموازاة، أكدت الضربة أيضاً، أن أميركا مصممة على الانسحاب من سوريا، تماماً كما ورد على لسان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قبل أسبوعين.
من ناحية إسرائيل، إدراك أعدائها وخصومها في الساحة السورية وفهمهم لهذه الحقيقة، هو «الواقع السيئ» الذي بدأ مساره يتشكل فعلياً، بعد هزيمة إسرائيلية قائمة بذاتها، ويؤسس لإعلان هذه الهزيمة لاحقاً، مهما كانت تهديدات إسرائيل وصراخها، وأيضاً أفعالها.
كيف ينعكس ذلك إسرائيلياً؟ لعل رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، اختصر في تعليقه المقتضب كل المقاربة الإسرائيلية لمرحلة ما بعد الضربة الأميركية، محاولاً جبر ما فشلت الضربة نفسها في تحقيقه، أو بعبارة أخرى، ما تجنبت الضربة العمل عليه: «يجب أن يكون واضحاً للرئيس (السوري بشار) الأسد أن استعداده للسماح لإيران ومبعوثيها بالتمركز عسكرياً في سوريا، يعرض سوريا للخطر». وفي مكان آخر قال: «الجهة التي تقوض الاستقرار في الشرق الأوسط أكثر، هي إيران، وعلى الرئيس الأسد أن يدرك أنه عندما يسمح بالتمركز العسكري لإيران ومبعوثيها في سوريا، فإنه يعرّض سوريا للخطر، وأيضاً يعرّض استقرار المنطقة كلها للخطر».
والمصلحة الإسرائيلية في الوجود الأميركي في سوريا، لا ينبع وحسب من مجرد وجود الحليف الأول لديها لمنع تشكل التهديدات حولها، بل إن هذا الوجود، الذي إن جرى تفعيله ودخوله على خط المواجهة في وجه أعداء إسرائيل (وأعدائه)، فإنه يجنب إسرائيل الكثير من السيناريوهات السيئة. وهو الرهان الأساسي والأكثر فاعلية لدى تل أبيب، خاصة أنها تقف في مواجهة محور يمتدّ من إيران مروراً بالعراق وسوريا، ويصل إلى لبنان وغزة. محور كبير جداً، ويفوق قدرة إسرائيل على مواجهته.
مردوعية أميركا، التي لم تكن مجرد مسألة تستنتج استنتاجاً، بل إقراراً صريحاً وواضحاً من قبل الإدارة الأميركية، التي أكدت أنها لم توسع الضربة في سوريا باتجاه «معاقبة» روسيا وإيران، لأن وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس والمؤسسة الأمنية والعسكرية حذّرا من أن ذلك قد يقود إلى حرب واسعة، تفقد تل أبيب أهم عنصر ردعي موجود لديها. خاصة أن التسريبات المنشورة في الإعلام الاميركي، والمقروءة جيداً في لبنان وسوريا وإيران، وصولاً إلى روسيا، تؤكد أن السبب المانع لاستهداف إيران في سوريا هو الخشية من مرحلة ما بعد الضربة وتداعياتها وأثمانها، سواء في سوريا و/ أو العراق، والمنطقة عامةً، مع التأكيد أنها هي التي دفعت إلى محدودية الضربة وتقلص مفاعيلها.
المردوعية الأميركية ــ كما تبدّت ــ وضعت إسرائيل أمام معضلة حقيقية. إذا وقفت إسرائيل مكتوفة الأيدي فستواجه مشكلة استراتيجية كبيرة جداً، حيث تنامي التهديد في الساحة السورية، مقروناً بالتهديد الواسع من لبنان، يفوق قدرتها اللاحقة على مواجهته؛ فيما الخيار الثاني، وهو التحرك للحؤول دون ذلك، يعد مشكلة استراتيجية أكبر، لأنها غير قادرة على المواجهة من دون فعل مساند وأولي ومتقدم، أميركي في سوريا، أعلنت واشنطن من خلال الضربة ومحدوديتها، أنها لا تريدها، بل وتخشاها.
ولا خيار ثالثاً أمام إسرائيل. فقط خياران سيئان، وعليها أن تختار على قاعدة الخيار الأقل سوءاً بينهما. من ناحية إسرائيل، الهجوم الأميركي على سوريا يعد: أقل من توقعاتها وآمالها؛ وهو أقل من الممكن بنظر إسرائيل قياساً على قدرات الولايات المتحدة المادية؛ وهو أيضاً أقل من المطلوب، بمعايير الاستراتيجية الأميركية والإسرائيلية. والمعيار الثالث، وأسبابه، التي لم تخل من الأسباب الردعية المعلنة والمقر بها أميركياً، هو الأكثر اقلاقاً لإسرائيل.
بناءً على ذلك، كشف الهجوم لإسرائيل وأعدائها، أنها باتت وحيدة في المواجهة، وما تسميه التمركز الإيراني في سوريا، وإعادة الجيش السوري ترميم قدراته العسكرية؛ فبدّد الهجوم رهاناتها على أن الراعي الأميركي سيحقق مصالحها من دون أي تبعات وأثمان تتلقاها هي، وأسّس الهجوم ــ في المقابل ــ لما يمكن وصفه بتشديد اللحمة والالتصاق بين سوريا وإيران وروسيا.
بحسب التعليقات الإسرائيلية، الهجوم الأميركي لم يحسن من وضع إسرائيل الاستراتيجي، بل أبقاها وحيدة في مواجهة أعدائها. من ناحيتها، لم يحصل فجر أمس شيء يمكن أن يُحسّن وضعها الاستراتيجي. إسرائيل بقيت في الجبهة المتصاعدة نفسها مع إيران. والأكثر من ذلك، أن الرئيس الأسد لم يضعف، بل إن الهجمات زادته قوة وجرأة ويقيناً، من أن الصديق الروسي سيقف إلى جانبه دائماً. وبحسب ما ورد في «يديعوت أحرونوت»: الهجوم الأميركي مجرد عملية محدودة وحذرة… من دون أي مخاطرة يمكن أن تدفع إلى اشتباك مع الروس. النتيجة كانت أدنى مما يمكن أن يخطر على البال. الخطاب المرتفع لترامب هو على النقيض من الضرر الفعلي الذي أوقعه هذا الهجوم. و«البنتاغون» أصدر بياناً مخجلاً: إنه هجوم لمرة واحدة. هذا يعني أنه حتى لو لم تُدمر الأهداف وجزء لا بأس به من صواريخ «كروز» اعتُرِض، الأميركيون لا ينوون معاودة مهاجمة تلك المواقع. النتيجة لا تعنيهم، كان هجوماً لرفع العتب.
(الاخبار)