خيبة الأمل من ترامب وبوتين: اليكس فيشمان
هذا ما يحصل لدولة تحتفظ بعشيقين: واحد جذاب ولكنه خائن في موسكو، والثاني حار ولكنه غير مستقر في واشنطن، فإنها تبقى في النهاية وحيدة في ظلام الشرق الاوسط. لا توجد اليوم لدولة إسرائيل أية قوة عظمى يمكنها أن تعتمد عليها وتثق بها في مواجهة الانتشار الإيراني. ولا يتبقى لها غير العمل عسكريا، بشكل مستقل، لصد موطىء القدم الإيرانية في سوريا على أمل ألا تتدهور بها هذه الاعمال العسكرية إلى مواجهة شاملة. ليس صدفة أن قال رئيس الاركان، غادي ايزنكوت، في مقابلة العيد مع «يديعوت احرونوت» بأن الاحتمال في أن يقود هذه السنة الجيش إلى حرب كبيرة هو أكبر مقارنة بالسنوات الثلاث الاولى من ولايته.
أحد السبل لصد التدهور بعد العملية العسكرية هو الحفاظ على السرية، وعدم أخذ المسؤولية. ولكن ما العمل إذا كان عشيقانا قد ركضا ـ كل واحد لاسبابه الخاصة ـ ليروي للرفاق ما فعلته صديقتهما في الليل. الروس لم يصبروا حتى بلوج الفجر وخرجوا ببيان رووا فيه عن طائرتين من طراز إف 15 إسرائيليتين حلقتا فوق لبنان ونفذتا بين 03:25 و 03:53 هجوما تضمن إطلاق ثمانية صواريخ جوالة نحو المطار العسكري لسلاح الجو السوري تي فور، المعروف ايضا باسم «تي ياس»، الذي يقع على مسافة نحو 100 كيلو متر شمالي دمشق قرب حمص. وصمد الأمريكيون وقتا أطول بقليل وأمس فقط بعد الظهر اقتبست شبكة «ان.بي.سي» عن مسؤولين أمريكيين ادعوا بأن إسرائيل اطلعت الولايات المتحدة على الهجوم .
لخيانة العشيقين ثمن منذ الآن: الإيرانيون لا يمكنهم ان يخفوا الأمر وعرضوا أمس بشكل استثنائي على التلفزيون صور أربعة مواطنين إيرانيين قتلوا، على حد قولهم، في القصف الإسرائيلي. يوجد هنا قول، بل وربما تهديد.
إذا كانت إسرائيل هي بالفعل التي هاجمت، فهذه لم تكن فقط خطوة عسكرية بل استفزاز سياسي، سواء تجاه روسيا أم تجاه الولايات المتحدة: انتم لا يمكنكم ان تتجاهلوا إسرائيل في الوقت الذي تنسجون فيه كل أنواع التسويات حول مصير سوريا. إذا لم تأخذونا بالحسبان، فسندمر لكم كل تسوية. يتبين أن المؤتمر الذي عقد في أنقرة في 4 نيسان/أبريل وعني بتقسيم مناطق النفوذ في سوريا بين تركيا، إيران وروسيا، حقق نتائج حقيقية، تتجاوز التصريحات العلنية التي خرجت منه. ما يقلق إسرائيل هو بالاساس الانجازات التي حققها الإيرانيون، الذين أغلب الظن تلقوا الاذن بالبقاء في سوريا ـ عسكريا، اقتصاديا وسياسيا ـ وليشكلوا جهة مؤثرة على النظام السوري، أما الروس فقد باعونا في هذا المؤتمر.
بعد ثلاثة أيام منه، أجرى نتنياهو حديثا وصفه الأمريكيون «بالمتوتر» مع ترامب وطلب من الرئيس ألا يخرج من سوريا وأن يعمل لإبعاد إيران عن الساحة السورية، ولكنه تلقى كتفا باردة. فقد سبق لترامب أن قرر الخروج من كل تدخل في سوريا، والخطوة تأجلت في هذه الاثناء فقط بضغط من المؤسسة الأمنية الأمريكية، ولا سيما البنتاغون. ما يهم ترامب هو إغلاق البسطة في سوريا، وتسخين العلاقات مع الروس قليلا كي يصل إلى انجازات في الساحة الكورية الشمالية وفي مجال نزع السلاح النووي. كما أن الهجر الأمريكي للأكراد سيلقى عناقا كبيرا من تركيا في أن الادارة الأمريكية لا تزال ترى فيها حليفا هاما.
من ناحية إسرائيل، فإن إخراج الجيش الأمريكي من سوريا هو ليس فقط إذن للإيرانيين لأن يفعلوا في سوريا كل ما يشاؤون، بل وخسارة أيضاً لقدرات عسكرية. فالأمريكيون يستثمرون في سوريا الكثير جداً من الاستخبارات. وفضلا عن هذا، فإن مغادرة الولايات المتحدة المنطقة الكردية في شرقي سوريا، تفتح للإيرانيين الباب للسيطرة على مصادر الوقود الكبرى لسوريا وعلى طرق العبور للعتاد الإيراني إلى سوريا وإلى لبنان. صديقنا الاكبر في واشنطن يدخلنا إلى مشكلة عويصة في سوريا.
لقد أصبح مطار تي فور سواء مركز عسكري ـ لوجستي إيراني يحرك منه عتاد إيراني إلى لبنان وإلى سوريا، أم قاعدة تنفيذية إيرانية لنشاطات جوية وغيرها. من ناحية إسرائيل، هذا المكان محظور له أن يوجد كما هو، رغم التواجد السوري والروسي في المكان. إذا لم يستوعب الروس والأمريكيون الرسالة التي بثت كما زعم في الهجوم الاخير، ينبغي الافتراض بأن مستوى النشاط العسكري سيرتفع بشكل يستفز الإيرانيين والسوريين. ما هو كفيل بأن يخرب على الروس خطوة المصالحة التي يحاولون انتاجها في سوريا وبالمناسبة، إذا كان الحديث يدور بالفعل عن سلاح الجو، يبدو أنه استخلص الدروس من الهجوم السابق في تي فور في 10 شباط/فبراير من هذا العام، بحيث أن الدفاعات الجوية السورية المضادة للطائرات لم تضرب الطائرات.
بشكل رمزي، في يوم القصف دخل إلى منصبه كرئيس مجلس الامن القومي السفير جون بولتون: العدو الاكبر لإيران في الادارة الأمريكية. هذا يعد باسناد كامل لإسرائيل لضرب المصالح الإيرانية، كما تشاء واينما تشاء. في اثناء يوم أمس صحا الروس بقدر ما وخفضوا النبرة. فقد أعلن الناطق بلسان الرئيس بوتين، ديمتري باسكوف بأن بوتين لم يكن على الاطلاق على اتصال مع القيادة الإسرائيلية، وان الحوار يجري في القنوات العادية. كما أن وزير الخارجية لافروف الذي نسبت له أقوال متطرفة ضد الهجوم، تحدث من دون أن يذكر اسم إسرائيل. العلاقة مع إسرائيل التي تمنع سوء التفاهم في سماء سوريا وفي واقع الامر تمنع الخلاف العسكري في المنطقة لا يزال هاما للروس. إذا كانت إسرائيل بالفعل هي التي هاجمت، فقد كان هذا تذكيراً للروس: لنا أيضاً مصلحة في سوريا ونحن نعتزم الدفاع عنها بالقوة.
يديعوت