وقت الضيق بن سلمان يستعين بالصديق الإسرائيلي والأمريكي: كارولين غليك
هل ندخل في العصر الذهبي لعلاقات الإسلام والعالم؟ هذا الاسبوع نشرت في «اتلنتيك» مقابلة مع ولي العهد السعودي، الامير محمد بن سلمان، مع جيفري غولدبرغ، محرر المجلة. بعد ساعات قليلة من النشر بدأت تتدفق ردود الفعل، أو بالأحرى الهتافات، من القيادة اليهودية الأمريكية. «في منطقة يسيطر عليه منذ زمن بعيد طغاة تأكلهم الكراهية (وللأمير توجد) رؤيا للمستقبل تختلف جوهريا عن المسلمين، اليهود، المسيحيين وعموم الشرق الاوسط»، كتب رئيس «العصبة ضد التشهير»، جونتان غرينبلت .
هل الهاتفون محقون وعصر جديد يبدأ في المنطقة؟ ليس بالضبط. معظم التحليلات بعد المقابلة عنيت بأمور قالها الأمير بالنسبة لإسرائيل وفي أنه اعترف بحقها في الوجود. وذلك بخلاف العادة التقليدية للزعماء العرب للاعتراف بحقيقة وجود إسرائيل من دون الاعتراف بأن لها حق وجود.
عندما سأل غولدبرغ إبن سلمان: «هل تؤمن بأن للشعب اليهودي الحق في دولة قومية على الأقل في جزء من وطنه التاريخي؟»، أجاب الامير: «أؤمن بأن لكل شعب، في كل مكان، الحق في العيش في دولة محبة للسلام. أؤمن بأن للفلسطينيين والإسرائيليين الحق في أرضهم، ولكن علينا أن نحقق اتفاق سلام كي نضمن الاستقرار للجميع واقامة علاقات طبيعية». فهل اعترف بحق شعب إسرائيل في دولة في بلاد إسرائيل؟ ربما، وربما لا. أين أرض اليهود، في نيويورك؟
حاول غولدبرغ الفحص. أليس لك معارضة تستند إلى إيمان ديني لوجود إسرائيل؟، سأل. «لدينا أوجه قلق دينية بشأن مصير المسجد الأقصى في القدس وبشأن حقوق الشعب الفلسطيني»، أجاب ولي العهد. «ليست لدينا معارضة لشعب آخر». بكلمات أخرى هناك انطباع بأن للأمير مشكلة دينية مع إسرائيل كدولة يهودية. تقريبا.
كما يشرح د. هارولد رود، الذي شغل منصب مستشار الشؤون الإسلامية في مكتب وزير الدفاع الأمريكي على مدى نحو 30 سنة، أدار الامير السعودي حوارا مع غودبرغ يقوم على أساس العرف الإسلامي المسمّى «التقية»، وهو أحد الأسس في الإسلام والذي بموجبه مسموح للمسلمين الكذب من أجل الدين.
أقوال الامير عن إسرائيل وان كانت اجتذبت الاهتمام الأكبر، الا ان الحديث كله كان عمليا في أسلوب مشابه. غولدبرغ سأل الأمير اسئلة واضحة، والأمير اجاب أجوبة مضللة أو كتلك التي تقبل التأويل على وجهين.
أحد الاجوبة المضللة الذي قدمه الأمير كان يعنى بالوهابية، الحركة الإسلامية المحافظة التي تبنت القرآن حرفيا وحسب مؤمنيها على الإسلام ان يسيطر في كل العالم وعلى كل الإنسانية أن تسلم. القبيلة السعودية ربطت مصيرها بالوهابية عندما أسست المملكة قبل 85 سنة، ومن 1979 تدفع السعودية مئات ملايين الدولارات لإقامة مساجد ومؤسسات دينية بروح الحركة في كل العالم.
ولكن عندما سأل غولدبرغ الأمير عن ذلك، تلقى الجواب المفاجىء التالي: «هذه الوهابية رجاء عرفها. نحن لا نعرفها». فأجاب غولدبرغ بدهشة: «هل هذا يعني أنك لا تعرفها؟ انت أمير السعودية، انت تعرف ما هي الوهابية». «لا يمكن لأحد أن يحدد الوهابية»، ادعى الأمير وواصل نفي كل صلة بين العبادات الدينية السعودية وبين الحركة. بل وذهب بعيدا فادعى بأن السعودية هي دولة تلقى فيها كل تيارات الإسلام، بما فيها التيار الشيعي، معاملة متساوية.
إذن صحيح، نثر الأمير السعودي كلمات جميلة في المقابلة مع المراسل اليهودي الأمريكي الكبير، ولكنه لم يجلب بشرى تغيير استراتيجي في الدين او في الطريقة التي يعبر فيها الإسلام عن نفسه في السعودية. وهذا يعيدنا إلى السؤال: هل جلبت المقابلة بشرى ما؟ وبالفعل، نعم. تعلمنا شيئاً.
أعداء من الداخل
الأمر الأهم الذي خرج من المقابلة هو أن الأمير معني جداً بالتعاون مع إسرائيل ومع الولايات المتحدة في كل ما يتعلق بالحرب ضد ما يسميه مثلث الشر. وعناصر المثلث هم: إيران، حركة الاخوان المسلمين وفروعها الإرهابية: القاعدة، داعش وغيرهم.
وبالنسبة لإيران، يشرح رود بأن هدف التصفية الاساس للثورة الخمينية في إيران ليس إسرائيل او الولايات المتحدة. «الخميني استغل الكراهية الإسلامية العامة تجاه إسرائيل والولايات المتحدة كي يحظى بالشرعية من العالم السنّي الذي يتطلع هو ومواصلو دربه لأن يقوده إلى جانب الإسلام الشيعي. فكراهية الشيطان الصغير والشيطان الكبير هي وسيلة لتحقيق الهدف الاساس: تصفية السعودية وكل قيادة سنّية أخرى وقيادة العالم الإسلامي».
وبالنسبة لحركة الاخوان المسلمين وفروعها في أعقاب الربيع العربي واضح للسعوديين ان الاخوان المسلمين هم الجهة الوحيدة في العالم السنّي القادرة على إسقاط النظام. في مقابلات أخرى أوضح إبن سلمان بأن تركيا الرئيس اردوغان هي اليوم زعيمة الاخوان المسلمين. ولهذا فإنه يرى في تركيا عدوا بمستوى إيران. والحقيقة هي أنه في ضوء التعاون الوثيق بين تركيا وإيران في سوريا، يحتمل أن يكون محقا. وفي كل الاحوال، فإن المقابلة مع غولدبرغ كانت دليلا آخر على أن الامير معني بمساعدة إسرائيلية وأمريكية لهزيمة أعضاء مثلث الشر خاصته. رائع انه يريد التعاون معنا، ولكن رود يحذر بأنه يجب التعاطي بمحدودية الضمان مع الالتزام الواضح من جانب الامير للتعاون التكتيكي مع إسرائيل.
وعلى حد قوله، فإن الحكم في السعودية يقف الآن على أساسات متهالكة، وذلك لأنه في السنة الماضية بدأ الامير بنزاع مرير مع أجزاء هامة من العائلة المالكة، حين أجرى موجة اعتقالات تضمنت غير قليل من كبار الامراء.
ويشرح رود بأن بكل فرع في عائلة آل سعود يوجد قسم معين في الحكم. في اللحظة التي اعتقل فيها ولي العهد ممثلي الفروع الاخرى في العائلة، فإنه بدأ بنزاع دموي مع أبنائها. ويوضح رود بأنه «في العالم الإسلامي تعتبر الإهانة اشد من الموت. والامراء لن يغفروا له. سينتظرون اليوم الذي ينتقمون منه فيه على هذه الاهانة».
في ضوء ذلك، فإن احتمال المس بالمملكة هو احتمال كبير وعلى إسرائيل أن تأخذ هذا بالحسبان في كل خطوة تعتزم اتخاذها نحو الامير. وحتى لو كان إبن سلمان يعمل ببراءة في كل ما يتعلق بالتعاون ضد إيران وحماس مثلا، لا ينبغي استبعاد امكانية أن يستغل أي من اصدقائه التقرب مع إسرائيل كي يمس بالأمير وبنا ايضا.
هل يعني هذ بأن علينا ان نبتعد عن السعوديين والا نتعاون معهم حتى على المستوى التكتيكي؟ بالطبع لا. ولكن على أي حال محظور الايمان بأن حكمه مستقر لأنه دكتاتوري ملكي.
الامير السعودي هو بلا شك شريك في الطريق في كل ما يتعلق بالحرب ضد إيران وحتى ضد حماس، الفرع الفلسطيني من الاخوان المسلمين، ولكن في ضوء الجوهر التكتيكي لالتزامه لإسرائيل وغياب كل بشرى بالنسبة للإصلاحات في الإسلام، واضح أنه محظور على إسرائيل أن تقدم أي تنازل من أجل هذه العلاقات.السعوديون لن يخرجوا العلاقات من الخزانة التي توجد فيها.
وبالفعل، لنا صديق ولو لساعة او لساعتين. وطالما لم يفقد أي أحد عندنا الرأس لن يستغل واحد التعاون بيننا وبينهم كي يقطع له الرأس، سنتمكن من العمل معاً في اجل أهداف مشتركة. على أي حال هذه بشرى لا بأس بها، وإن لم يكن فيها ما يشهد على شرق أوسط جديد.
معاريف