روسيا والغرب: ماذا بعد طرد الدبلوماسيين؟ ليلى نقولا
دبلوماسياً، وكإجراء سياسي، يحقّ لبريطانيا وسواها وبموجب اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية (18 نيسان 1961) أن تطرد مَن تشاء من البعثات الدبلوماسية العامِلة على أرضها، وأن تعتبر أي دبلوماسي “شخصاً غير مرغوب فيه” personae non gratae ، وذلك استناداً إلى المادة 9 من الاتفاقية، والتي تنصّ “للدولة المُعتمَد لديها في أي وقت ومن دون ذِكر الأسباب أن تبلغ الدولة المعتمدة أن رئيس أو أيّ عضو من طاقم بعثتها الدبلوماسية أصبح شخصاً غير مقبول أو أن أي عضو من طاقم بعثتها (من غير الدبلوماسيين) أصبح غير مرغوب فيه “.
في اجتماع غير عادي تعقده منظمة حظر الأسلحة الكيمائية هذا الأسبوع بناءً على طلب روسيا، تكون الأزمة المُستجدّة بين روسيا والغرب التي أعقبت حادثة تسميم الجاسوس الروسي المُزدوج سكريبال وابنته في بريطانيا قد انتقلت من الإطار الدبلوماسي السياسي إلى الإطار القانوني- الجنائي.
عملياً هدأت العاصفة الدبلوماسية التي تجلّت في طرد دبلوماسيين روس من بريطانيا والعديد من الدول الأوروبية والغربية المُتضامنة معها، بالإضافة إلى حلف الناتو والولايات المتحدة الأميركية التي شهدت أكبر عدد من الدبلوماسيين المطرودين بالإضافة إلى إغلاق القنصلية الروسية في سياتل، وحيث ردّ الروس بالمثل وطردوا العديد من الدبلوماسيين الغربيين، وأقفلوا القنصلية الأميركية في سان بيترسبورغ.
دبلوماسياً، وكإجراء سياسي، يحقّ لبريطانيا وسواها وبموجب اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية (18 نيسان 1961) أن تطرد مَن تشاء من البعثات الدبلوماسية العامِلة على أرضها، وأن تعتبر أي دبلوماسي “شخصاً غير مرغوب فيه” personae non gratae ، وذلك استناداً إلى المادة 9 من الاتفاقية، والتي تنصّ “للدولة المُعتمَد لديها في أي وقت ومن دون ذِكر الأسباب أن تبلغ الدولة المعتمدة أن رئيس أو أيّ عضو من طاقم بعثتها الدبلوماسية أصبح شخصاً غير مقبول أو أن أي عضو من طاقم بعثتها (من غير الدبلوماسيين) أصبح غير مرغوب فيه“.
إذًا، إن الطرد المُتبادَل للسفراء لا يعدو كونه إجراء معتمداً بين الدول للتعبير عن توتّر العلاقة بينهما أو من ضمن الاعتراض الصريح من قِبَل دولة على تصرّف مبعوث دبلوماسي لدولة أخرى ضمن أراضيها، أو لإبداء الاستياء من تدخّل دولة أجنبية في شؤونها الداخلية، وهو يبقى ضمن إطار التوتّر السياسي المُتوقّع الذي تشهده العلاقات الروسية الغربية على إثر ضمّ القرم، والتدخّل الروسي في القضية السورية، والذي كلّف الغرب خسارة كبيرة وأبقى الرئيس السوري بشّار الأسد في السلطة، وهو الذي توعّد المسؤولون الغربيون بإطاحته خلال شهور معدودة.
هذا في السياسة، أما في القانون فقضية تسميم سكريبال وابنته، لا تستطيع أن تأخذ منحى جنائياً دولياً، فتُفرض عقوبات على روسيا – كما هدّدت تيريزا ماي- إلا بعد أن يؤكّد التحقيق الذي تجريه منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، بأن الروس هم فعلاً مَن قام بتسميم الجاسوس وبالتالي يتحمّلون مسؤولية جنائية في القضية.
وبهذا المسار تكون القضية قد دخلت مساراً مختلفاً، فإن استطاعت المنظمة أن تثبت أن الروس هم من قاموا بتسميم الجاسوس كما يريد البريطانيون ( وهذا أمر صعب إثباته، حتى لو كان الروس يطوّرون تلك المادة الكيمائية)، فحينها سوف تدخل العلاقة بين الغرب والروس في مرحلة متقدّمة من التوتّر غير المسبوق، فتتم دعوة مجلس الأمن ويطالب الغرب بعقوبات أمميّة على روسيا بسبب عدم امتثالها لشروط حظر الأسلحة الكيمائية، وتُحرج العديد من الدول الأوروبية المُتردّدة، فتضطر كنتيجة للضغط والإحراج إلى طرد البعثات الدبلوماسية الروسية، وقد تلجأ تيريزا ماي إلى التضييق على المستثمرين الروس المتواجدين في بريطانيا.
لكن، في كل الأحوال، لا يبدو أن مصلحة أي من الطرفين أن يزداد التوتّر ليصل إلى تلك المرحلة من التصعيد الذي سيقابله تصعيد روسي، بل يبدو من الأفضل للجميع أن يبقى ضمن إطار التصعيد السياسي والدبلوماسي الذي سبق أن حصل. إن التضييق على المستثمرين الروس في بريطانيا سوف يدفع هؤلاء إلى سحب أموالهم من بريطانيا وهذا سيزيد أزمة الاسترليني والأزمة الاقتصادية التي ستعانيها بريطانيا بسبب البريكست. هذا بالإضافة إلى أن احتكار الروس بيع الغاز إلى أوروبا، بالإضافة إلى ارتباطهم بالعديد من الاتفاقيات التجارية مع الاتحاد الأوروبي، تجعل الخطوة الاستفزازية مُكلفة اقتصادياً للطرفين إلى حد بعيد. هذا ناهيك عن أن الروس تحوّلوا إلى شريك أساسي في الشرق الأوسط، وفي سوريا خاصة، وأي حلّ سياسي أو مشاريع إعادة إعمار مستقبلية، يجب أن تمر بالتشاور مع الروس وبموافقتهم…
انطلاقاً من كل ما سبق، سيعمد الغرب إلى الاستفادة السياسية من قضية سكريبال إلى أقصى حد، لكن استكماله بواسطة المسار القانوني الجنائي أمامه صعوبات عدّة، منها إثبات التهمة على طرف ما لمجرّد امتلاكه الغاز المُستخدَم (قال الروس إن بريطانيا والسويد والولايات المتحدة وتشيكيا تطوّره)، ومنها الفيتو الروسي الذي يمنع فرض عقوبات أممية، بالإضافة إلى الاعتماد المُتبادَل بين الطرفين والذي يجعل من قطع العلاقات كلياً أمراً صعباً.