الوضع في غزة يتجه نحو الانفجار سواء بكارثة إنسانية أو بمواجهة عسكرية: عاموس هرئيل
لقد كان لنشاطات الجيش الإسرائيلي على طول الحدود مع القطاع في نهاية الاسبوع هدفان: الأول وهو علني، كان منع اجتياز الجدار من قبل الجمهور الفلسطيني الذي سيحاول الدخول إلى حدود إسرائيل وربما محاولة الدخول إلى إحدى مستوطنات غلاف غزة، الجيش الإسرائيلي نجح في هذه المهمة بصورة كاملة. والهدف الثاني الذي ذكر في وسائل الاعلام بصورة هامشية فقط كان منع خروج الوضع في غزة عن السيطرة .
الفهم المقبول في الجيش منذ سنوات هو أن عدداً كبيراً من القتلى سيجلب معه مخاطرة للتصعيد. كل جنازة تصب الزيت على نار المقاومة. هذا الهدف لم ينجح فيه الجيش في يوم الجمعة الماضي. وبعد 15 قتيلاً ـ صحيح أن عدداً منهم كان مسلحاً وعدداً آخر كان محسوباً على الاذرع العسكرية للتنظيمات الفلسطينية وبدون أن يكون بينهم نساء وأطفال ـ من الصعب الحديث عن الانضباط والسيطرة، حتى لو كان واضحا أن المواجهة كان يمكن أن تنتهي بصورة أسوأ بكثير. الدليل الافضل على حجم إطلاق النار كان مئات الفلسطينيين الذين أُصيبوا بالنار الحية، وهو معطى حتى الجيش لا ينفيه.
يمكن التقدير لماذا حدث ذلك. الجيش ينظر إلى هذه المسيرة بصورة مختلفة عن الصورة التي ينظر فيها إلى التعامل مع التظاهرات في الضفة الغربية. في قطاع غزة تم ترسيم الحدود، حتى لو أن مكانتها الدولية قابلة للتفسير، وإسرائيل أرادت منع أي اختراق للسيادة والدخول إلى أراضيها. كان في الجيش أيضاً افتراض أن استخدام القوة الزائدة الآن سيردع حماس عن زيادة العنف في المسيرات والتظاهرات القادمة التي يتوقع إجراؤها في الشهر والنصف القادمين. في الخلفية كانت تحلق كما يبدو أحداث الاسبوع الماضي، حيث واجه الجيش انتقاداً في وسائل الاعلام على «فشل الجدار» بسبب اجتياز الثلاثة فلسطينيين الذين تم القاء القبض عليهم في تساليم ومحاولة تقليدهم لاحقا، الميل الطبيعي لقادة الجيش هو تشديد القبضة أكثر من أجل صد ادعاء تهمة التباطؤ.
الآن، من المفاجىء أنه مع كل التجربة التي راكمتها إسرائيل في المواجهة مع جمهور مدني في غالبيته، هي تقريبا لم تستخدم أول من أمس الحيل أو العمليات المحكمة أو وسائل أكثر مرونة. الجيش الإسرائيلي امتنع عن الاعتماد على الشرطة وحرس الحدود في تفريق التظاهرات، بذريعة أنه توجد لوحداتهم مهمات مستعجلة أخرى. وكما نشر في هآرتس هذا الصباح فإن تقرير مراقب الدولة من العام الماضي كشف إهمالاً متواصلاً في استخدام وسائل تفريق التظاهرات.
هناك شيء ما يدعو لليأس في النقاش العام في إسرائيل حول أحداث يوم الجمعة، كما يتسرب من الشبكات الاجتماعية لوسائل الاعلام وبالعكس. الصحافي جدعون ليفي يصف هنا «جيش الذبح الإسرائيلي»، وأنا لا أذكره ولو بإشارة بدور حماس في التظاهرات أو وجود نشطائها ومنهم مسلحون قرب الجدار.
عضوة الكنيست تمار زندبرغ (ميرتس) تتطهر من قضية كلوغهيفت من خلال إلقاء المسؤولية على الجيش الإسرائيلي. وفي المقابل، محللون وكتّاب أعمدة والذين في الايام العادية يتنافسون في ما بينهم حول درجة قوة الانقضاض على رئيس الحكومة نتنياهو، يظهرون الوطنية في التعبير عن دعمهم للجيش ويرفضون أي نقاش لأوامر إطلاق النار.
لكن هذا النقاش هو نقاش داخلي، ويبدو أن أهميته كما يبدو قليلة. السؤال الاكثر إلحاحاً هو هل حماس تعتقد أنه بواسطة رؤيتها الترامبية للتظاهرات التي نظمت في البداية بواسطة نشطاء حياديين لا ينتمون لتنظيمات بصورة واضحة، اكتشفت صيغة يمكنها إحراج إسرائيل. طوال الوقت الجيش يقف هنا أمام مشكلة: قتل متواصل لمتظاهرين مدنيين سيخرج أخيراً المجتمع الدولي عن لامبالاته. إن سلسلة أحداث ستجبر الجيش على إبقاء قوات على حدود القطاع على حساب التدريب. كما أن ازدياد محاولات المس بالجدار سيبطىء وتيرة إقامة العائق ضد الأنفاق، الذي حتى اليوم لم تشوش حماس اقامته.
اضافة إلى كل ما تقدم، هناك الازمة الحقيقية الشديدة في قطاع غزة. صحيح، كما قال رئيس الاركان آيزنكوت للصحيفة في مقابلة أُجريت معه في الاسبوع الماضي، أن منسق أعمال الحكومة في المناطق يتراكض الآن في العالم في محاولة لتجنيد الاموال للقطاع رغم أنه محكوم من قبل حماس. ولكن طالما يستمر انهيار البنى التحتية في غزة ولا يوجد تخفيف للحصار الإسرائيلي ـ المصري المفروض على القطاع، فإن إسرائيل لا يمكنها التظاهر بأنه لا توجد مشكلة لديها، حتى لو أن المسؤولية موزعة بين إسرائيل والجهات الاخرى ـ مصر، السلطة الفلسطينية ونظام حماس في القطاع ـ ففي نهاية المطاف هذا الدمل سينفجر، سواء بكارثة إنسانية أو بمواجهة عسكرية أخرى بين إسرائيل وحماس.
هآرتس