بقلم غالب قنديل

الانتخابات وعيوب الفريق الوطني

غالب قنديل

منذ ظهور قوى الثامن من آذار كتيار وطني عروبي يلقي كثيرون من قادة ورموز هذه القوى بمسؤولية تضعضع هذا الحلف وقصوره وضعف حضوره السياسي والنيابي على قيادة حزب الله التي تعتبر مرجعية وازنة في صياغة نهج هذا الفريق وتوجهاته لكن تجربة الانتخابات النيابية الحالية فضحت عيوبا تكوينية في الصفوف الحليفة سعى حزب الله لتجاوزها واصطدم بشركائه وبعدم تجاوبهم مع مساعيه.

كررت قيادة حزب الله امام الجميع ان القانون النسبي يوفر فرصة جيدة ينبغي التقاطها لانتزاع تمثيل قوى وتيارات وطنية في سائر الطوائف وهي تؤكد ان مصلحة الحزب الذاتية كانت محققة ومضمونة في النظام الأكثري وهي تعرف ان نتائج الانتخابات ستقلص حجم كتلة الحزب وسواها من الكتل الكبرى في ظل النظام النسبي لكن قيادة حزب الله اعتبرت ان المكاسب الناتجة عن توسيع فرص تمثيل حلفاء الخيار الوطني المقاوم هو الربح الحقيقي الناتج عن اعتماد النسبية الأمر الذي يستحق السير بالنسبية والقتال إلى أبعد الحدود لتحسين شروطها وهو ما كان أسير التوازنات السياسية فجاء حصيلة التسويات الممكنة داخل السلطة السياسية ومؤسساتها.

طبعا كان العديد من الوطنيين والعلمانيين من الخيار الوطني المقاوم بمن في ذلك قيادة حزب الله يفضلون النسبية في دائرة واحدة وخارج القيد الطائفي مع انتخاب مجلس للشيوخ وفقا لما سبق ان اقترحه العديد من القادة الوطنيين والبعض يعترض بقوة على الصوت التفضيلي الذي أدخل على النسبية من وحي الاقتراح الذي اطلقت عليه تسمية الأرثوذكسي مع فارق أن التفضيل المعتمد حاليا يقوم على مستوى القضاء وليس على صعيد الطائفة والمذهب وهذا ما يعطيه في رأي البعض الآخر الصفة السياسية والحزبية المحلية مما يجعله ترجيحا لمصداقية تمثيلية في الانتخابات مع النسبية.

تسعى قيادة حزب الله إلى توسيع فرص التعدد السياسي داخل جميع الطوائف كمقدمة لتبلور تحالفات وتكتلات سياسية ونيابية عابرة للطوائف وهو امر يسهم في إضعاف ضغط العصبيات الطائفية والمذهبية التي تمثل عبئا وقيدا قاسيا على أي تطوير جدي للحياة السياسية في البلاد.

كشفت تجربة تشكيل اللوائح الانتخابية لقوى الخيار الوطني التي عرفت بالثامن من آذار عددا من العوائق والمشاكل التكوينية التي تعود إلى عيوب في بنية هذه القوى وطريقتها في التفكير والتصرف السياسيين ويمكن ان نجمل تلك العيوب على النحو التالي :

اولا استمرار الانقسام الكبير الذي أصاب قوى الثامن آذار خلال الانتخابات الرئاسية وهو انقسام تحكم بالتحالفات واللوائح في دوائر انتخابية مهمة تتنافس فيها أطراف تنتمي عمليا إلى خيارات ومواقع متقاربة في العناوين الكبرى. ويمكن القول إن استمرار الشرخ بين تيار المردة والتيار الوطني الحر شكل عامل إرباك كبير لسائر الحلفاء في العديد من الدوائر التي يتواجد فيها الفريقان او حلفاؤهما وكذلك استمرار الشرخ بين التيار الوطني الحر وحركة امل الذي امكن تجاوزه احيانا بقوة المصلحة الانتخابية وبتدخل حزب الله الهجومي.

ثانيا الأزمة التي تصيب التيارات العلمانية التقدمية بنتيجة طغيان المناخ الطائفي والمذهبي وأعراض قصور ذاتية كثيرة وإذا كان القوميون استطاعوا لم صفوفهم نسبيا وخاضوا الانتخابات بالحد المقبول من الوحدة والانسجام في لوائح تحالفية وطنية فإن الحزب الشيوعي بدا مرتبكا في إدارة موقفه وتحالفاته لأنه انطلق من مبدأ رفض التحالف مع القوى الوطنية المشاركة في السلطة وحصر اهتمامه بفئة مرشحي “المجتمع المدني “بتعبيرها المطاط وبغض النظر عن سلامة هذا الخيار فالحصيلة هي إبعاد الناخبين الشيوعيين عن شركائهم الطبيعيين في خيار المقاومة.

ثالثا اظهرت الانتخابات عند العديد من الأطراف تورم الحسابات الذاتية وتغليب الخصومات والحساسيات الضيقة بين حلفاء الصف الواحد والعجز عن تقديم المصالح المشتركة وقد بذلت قيادة حزب الله جهودا مضنية في معظم الحالات لجمع الحلفاء وإقناعهم بالعمل معا دون جدوى وهذا ما حصل في العديد من الدوائر التي ظهرت فيها عدة لوائح للخيار الواحد ومن شأن ذلك تشتيت الكتلة الوطنية الصلبة من الناخبين التي يمكن استقطابها لرفع الحاصل الانتخابي بما يتيح كسب عدد اكبر من المقاعد النيابية وبالتالي كان ممكنا توسيع الفرص لو خاض الوطنيون المعركة موحدين في لائحة واحدة في أي من الدوائر التي ضربها تورم الذوات السياسية والحزبية.

رابعا ينتقد بعض الوطنيين أسلوب قيادة حزب الله المرن وابتعادها عن استعمال رصيدها المعنوي ومونتها اتجاه الحلفاء الذين يسلمون بمرجعيتها لكن قيادة الحزب ترد على ذلك بأننا نخوض الاختبار الأول للنسبية الذي سيقدم دروسا للجميع يمكن بعدها التفاهم مع الحلفاء والأصدقاء على استخلاص الدروس لتعديل منهجهم في الحساب والإدارة الانتخابيين دون ان يتهربوا بإلقاء اللوم على حزب الله كما جرى سابقا في محطات عديدة وقد تحملت قيادة الحزب خلال مشاورات اللوائح الانتخابية مزاجية وتعنت العديد من الحلفاء الذين أثقلوا النقاشات بشطحات وانفعالات متوترة احيانا واتسعت لكل ذلك صدور قادة الحزب ومسؤوليه المكلفين بالملفات التحالفية.

خامسا إن العيوب التي تصيب الصف الوطني المقاوم كما برهنت عليها تجربة الانتخابات هي دليل الذاتية المستعصية والتخلف الفكري والسياسي وينبغي العمل على تخطيها بأقصى جهد ممكن وبعيدا عن حشد الذرائع التي تلطى خلفها البعض ولعله من المفارقات الخطرة ان يكون المخطط الأميركي السعودي لإبقاء لبنان تحت الوصاية ولمحاصرة المقاومة ومحورها واضحا ونافرا بقوة بينما القوى المهيأة لإسقاط الوصاية مشتتة في حسابات صغيرة وهي تسهل في بعض المواضع اختراقها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى