البرلماني الثوري المطارد
غالب قنديل
أطل زاهر الخطيب يوم امس شريكا في لائحة الوحدة الوطنية في دائرة الشوف وعالية مع الوزير السابق وئام وهاب وعدد من الشخصيات السياسية المستقلة وذات المواقف والتوجهات الوطنية المعروفة.
على مدى حوالي نصف قرن من الزمن عرف زاهر الخطيب داخل مجلس النواب وخارجه بمواقفه السياسية الثورية والجذرية ولطالما سمي بالمشاكس واطلق عليه التقليديون من النواب والرؤساء ألقابا من نوع الغيفاري والمشاغب ونصير الثورات العالمية من كوبا إلى فيتنام وأصلا وأساسا فلسطين وركزوا على هجاء نزعة التمرد التي ميزته كنائب.
خلافا لزملائه النواب من المحامين لم يقبل عضوية نادي حماة البنوك والشركات الكبرى داخل المجلس ولطالما سخر حصانته البرلمانية لخدمة توجهاته فقاد سيارته لينقل قادة تظاهرات الطلاب والمعلمين والعمال من ساحات القمع البوليسي في السبعينيات ونقل السلاح للفدائيين والمقاومين في الجنوب مستثمرا حصانته النيابية ووقف في البرلمان مدافعا عنهم وعن مطالب الطبقات الشعبية والفقيرة في وجه ممثلي الشركات الاحتكارية والوكالات الأجنبية وكانت الذروة في موقفه من شركة بروتيين الاحتكارية وانتفاضة صيدا واستشهاد القائد معروف سعد وهو بعد ذلك رفض جميع السلوكيات الطائفية والمذابح التي شاركت فيها احزاب وطنية لبنانية وفصائل فلسطينية خلال الحرب الأهلية وانتقد ذلك النهج علنا رافضا الشعارات الطائفية التي مزقت وحدة الشعب اللبناني.
كان زاهر الخطيب على الدوام صوت المقاومة المدوي في وجه استسلام النظام اللبناني امام العدو الصهيوني وكان يتواجد دائما مع الناس والفدائيين والمقاومين في بنت جبيل وكفرشوبا وكفركلا وغيرها وينقل صوتهم في البرلمان وتوج مساره برفض اتفاق السابع عشر من أيار عام 1983 وقد كان مع نجاح واكيم الثنائي البرلماني الذي فضح العملاء وازلام الوصاية الأميركية وميز موقفه بحزم عن كتلة المتخاذلين من النواب الذين مارسوا اعتراضا خجولا على الاتفاق فلازموا بيوتهم أو امتنعوا عن التصويت.
زاهر الخطيب تصادم على طول الخط مع جميع المسؤولين السوريين الذي دعموا صيغة الحكم والتقاسم والخصخصة بعد الطائف واحتكم في خلافه معهم للرئيس حافظ الأسد الذي منعهم من التعرض له مرات ومرات وقد كان الخطيب خلال نيابته على تنسيق دائم مع القيادة السورية شارحا لموقفه ولمخاطر ما يدبر ضد لبنان وسورية بنتيجة النهج الإعماري وتداعياته الاقتصادية والسياسية على البلدين ومستقبل علاقتهما.
هذا “المشاكس” صح كل ما قاله عن الحقبة الماضية محذرا من نهج المديونية ومن نظام التقاسم والمحاصصة والإدارة الموازية وتصلح خطبه في مجلس النواب لتكون نماذج في نقد الاقتصاد السياسي للنظام النيوليبرالي الذي فرض في لبنان بعد اتفاق الطائف وجميع من يتحدثون اليوم عن حافة الإفلاس يجب ان يسترجعوا تحذيرات زاهر الخطيب منذ عشرين عاما من نهج تدمير قطاعات الإنتاج وسحق الطبقات الشعبية في المجتمع ومن مهالك المديونية الباهظة وكانت وثيقة إعادة البناء الوطني التي أصدرتها رابطة الشغيلة بعد الطائف مباشرة هي الدليل المنهجي لمواقف زاهر الخطيب النقدية من السياسات الحكومية البائسة التي لم يلفح في تبريرها أي من مجادليه في مقاعد الحكومة داخل البرلمان.
يخشى أهل السلطة من جذرية زاهر الخطيب الواضحة ومن شجاعته في اتخاذ المواقف الحرة وهم يعرفون كما يعرف داعموهم انه عصي على الضبط والربط والتدجين فلا يساير في اعتراضه على أي مشروع او خطة وهوكان صوتا صارخا ضد مظالم سوليدير وضد الخصخصة رغم محاولات عبدالحليم خدام وغازي كنعان لترويضه وإخضاعه وإلحاقه وشراء ولائه او صمته بلعبة الإغراء والتهديد.
النائب الثوري المشاكس والمتمرد على اللعبة التقليدية يفاخر بفقره وبأنه لا يملك منزلا في بلدته شحيم ويعرف انه يعتبر خطرا جديا على سكون النظام المطمئن إلى مصالحه التي يتقاسمها اطرافه ويتشاركونها ولذلك كان الشرط الذي رضخ له بعض أصدقاء الخطيب وحلفائه السابقين هذه المرة فرفضوا التجاوب مع مسعى حزب الله لجمع مرشحي الخيار الوطني المقاوم في الشوف وعالية ضمن لائحة واحدة والذرائع مكشوفة وغايتها تلبية شروط وضعها الحريري وجنبلاط تقتضي الإبتعاد عن زاهر الخطيب وحليفه الوزير السابق وئام وهاب بسبب الانزعاج المزمن والتاريخي من النبرة القوية والموقف الوطني والقومي الحازم الذي يمثلانه بكل وضوح.
لائحة الوحدة الوطنية في الشوف وعالية التي أعلنت من بلدة الجاهلية يوم امس هي نواة سياسية لخيار وطني مقاوم مؤمن بوحدة الشعب والأرض وبفكرة الدولة الحديثة القوية المقاومة والعادلة القادرة على تنفيذ التنمية وتحقيق العدالة الاجتماعية وتحرير البلد من قبضة الحيتان وهي تعطي للانتخابات نكهة خاصة ترد الاعتبار للموقف المبدئي وللأخلاقيات السياسية الوطنية فهي رد اعتبار صارخ للمباديء والأخلاقيات الوطنية في الانتخابات التي يردد كثيرون بمرارة ان بعض تحالفاتها خلطت الحابل والنابل وصاغت لوائحها بصورة غير مبدئية تثير الاشمئزاز.