إنه «الأبرتهايد» الإسرائيلي: جدعون ليفي
ربما هم كانوا يقصدون ذلك. الأمر كبير على مقاساتهم، وربما حتى على تفاخرهم. ولكن هم الذين بنوا النظام أو على الأقل بشروا به. هم تعلموا قانوناً وذهبوا إلى العمل (الى الخدمة) في المحاكم العسكرية. لقد ترفعوا بالرتب وأصبحوا قضاة عسكريين. هكذا يسمّى الضباط الذين يخدمون في الجيش الاخلاقي كقضاة للمحتل في المناطق المحتلة. لقد عملوا في وحدة عسكرية لها إسم أصيل «محكمة يهودا العسكرية»، وحددوا مصائر. هم بالتأكيد على قناعة بأنهم يعملون في جهاز قضائي مثلما علموهم في الجامعة. توجد هناك نيابة عامة ومحامو دفاع وحتى يوجد مترجم .
معظم عملهم يتم بعيدا عن الانظار، من الذي يهمه في إسرائيل ما الذي يجري في كرفانات عوفر. هم أرسلوا آلاف الاشخاص إلى عشرات السنين من السجن، وتقريبا لم يقوموا بتبرئة أحد، لا يوجد شيء كهذا في مكان عملهم. وصادقوا أيضاً على مئات الاعتقالات بدون محاكمة، حتى لو لم يكن شيء كهذا في دولة قانون، يوماً بعد يوم وكذلك يوم آخر في المكتب.
عندها جاءتهم عهد التميمي، تقريبا مليونا شخص وقعوا في العالم على عريضة تدعو إلى اطلاق سراحها، وهم من ناحيتهم موظفون مخلصون للجهاز الذي عيّنهم. الآن يجب الاعتراف لهم بالجميل. هذه المرة كشفت للعالم الحقيقة العارية. إنهم يعملون في نظام أبرتهايد. هم من بشروا به. هم من قاموا بصياغته. هم متعهدو تنفيذه، براغي صغيرة في الآلة الضخمة، لكنهم يعبرون عن الواقع.
الضباط الثلاثة الذين أصدروا قرار الحكم على الفتاة في المحاكم المختلفة، العقيد نتنئيل بنيشو، رئيس محكمة الاستئنافات العسكرية ـ الالقاب لا تنقصنا هنا ـ الذي صادق على اجراء المحاكمة غير العلنية، المقدم مناحيم ليبرمان، رئيس محكمة يهودا العسكرية والذي صادق على الصفقة التي بناء عليها ستقضي هي وأمها فترة حكم ثمانية أشهر على لا شيء أو على بطولتها، والمقدم حاييم بليلتي الذي صادق على تمديد اعتقالها إلى حين المحاكمة. بعد يوم سيتم تعيينهم في المحكمة العليا برتب كولونيل ولفتنانت كولونيل وميجر، الذين بشروا العالم بأنه «هنا يوجد أبرتهايد». فقط بالصدفة الثلاثة يعتمرون القبعة، بالصدفة البريئة جاء هذا، ليس معروفاً من منهم مستوطن، لكن هذا أيضاً بالطبع لا معنى له. لقد ذهبوا للعمل في محكمة الاحتلال العسكرية من أجل الدفاع عن حقوق الانسان في المناطق باسم إله الجيوش، ومن أجل تطبيق القانون، قانون المحتل. ما الصلة بين قبعاتهم وإيمانهم السياسي، وما الصلة بين إيمانهم ومهمة القانون النقي غير المتحيز الذي يطبقونه. يوجد قضاة في القدس وفي عوفر أيضاً، بالصدفة هم متدينون.
بعد الحسم بشأن التميمي، لا يوجد أي شخص منطقي في العالم، ولا حتى في إسرائيل التي غسل دماغها، يمكنه الادعاء بجدية أنه في المناطق المحتلة لا يوجد نظام أبرتهايد. حركة «بي.دي.اس» يجب عليها إرسال التهنئة للضباط الذين أزالوا كل شك ممن ما زال يوجد لديه شك. جهاز القضاء الذي يقرر حكماً لليهود يختلف عن حكم الفلسطيني من دون تلعثم يستحق التقدير على استقامته. جهاز القضاء الذي حكم على جندي قتل شخصاً مصاب أكثر بشهر واحد فقط من فتاة صفعت جندياً، يعترف بالفم الملآن أنه في نظره صفعة المحتل تساوي قتل الشخص الواقع تحت الاحتلال. فقط شهر واحد يفصل بينهما.
جهاز لم يخطر بباله أن يعتقل ويحقق ويحاكم، وبالتأكيد أن لا يسجن لفترة طويلة فتاة مستوطنة قامت بصفع جندي أو ألقت عليه قمامة أو أعطبت إطارات سيارته أو رشقت الحجارة عليه أو ضربته، أرسل التميمي إلى ثمانية أشهر من السجن. ويجب علينا إضافة شيء ما لمحاميتها، غافي لسكي، بأنه لم يبق إلا الموافقة على الصفقة. أيضاً هي مثل المليوني شخص من العالم، تريد رؤية التميمي حرة.
ربما عقاب التميمي مناسب. بفضله لن تستطيع الدعاية الإسرائيلية مواصلة الاحتجاج أمام العالم ضد تهمة الأبرتهايد من دون إثارة الضحك. العقداء من يهودا اكتشفوا الحقيقة المعروفة منذ زمن: صالح، هنا يوجد ابرتهايد.
هآرتس