الحريري «يتحدّى الملل» في خطاب «العجز» ابراهيم ناصرالدين
في كلمة «تحدى فيه الملل» الذي رافق مراسم احياء الذكرى العاشرة لاغتيال والده، لم يحمل خطاب الرئيس سعد الحريري «الناري» اي دلالات مهمة من شأنها ان ترسم ملامح المرحلة المقبلة، على حد قول اوساط بارزة في 8 آذار لا سيما في ما يتعلق بالملفات الشائكة وفي مقدمها الحوار مع حزب الله. عمليا خرج جمهوره من القاعة دون ان يفهم الاسباب الموجبة لجلوسه على «الطاولة» مع الفريق الاخر، فاذا كان انطلاق الحوار مع حزب الله يرمي الى تخفيف الاحتقان المذهبي، فان خطابه «التعبوي» ذهب في اتجاه آخر، واذا كان معترضا ومختلفا مع الحزب على معظم القضايا الاستراتيجية، فهو لم يقدم اي اجوبة حول كيفية «المواجهة»، وبالتالي فان الجمهور «المتعطش» الى أجوبة واضحة ازدادت هواجسه، بعدما «لمس» انعدام الخيارات امام زعيمه الشاب الذي خاض غمار «رحلة» طويلة من الرهانات الخاطئة اعادته في نهاية المطاف الى «واقعية» تفرض عليه تخفيف الاضرار «والانتظار».
الاوساط ترى ان تمسك الرئيس الحريري بالحوار مع حزب الله ووصفه «بالحاجة الإسلامية لتخفيف الاحتقان وضرورة لتحصين المسار السياسي وإنهاء الشغور الرئاسي»، بضعة كلمات لم يكن حزب الله يطمح الى اكثر منها في خطاب رئيس الحكومة الاسبق، وكل ما ورد قبل تلك الجملة وبعدها مجرد «تعبئة» مطلوبة على طريقة ملاعب كرة القدم « عل الطابة وخود جمهور»، فلا جديد في رفض الحريري الاعتراف للحزب بأي حقوق تتقدم على حق الدولة في قرارات السلم والحرب، ولم يكن في اعتقاد احد بأن الحوار السني الشيعي سيجعل «المستقبل» يبدل ثوابته حيال استراتيجية حزب الله، فيما لا يزال الرعاة الاقليميون وبشكل خاص الخليجيون وعلى نحو اكثر دقة السعوديون متمسكون باستراتيجية المواجهة مع طهران ومصرون على اسقاط النظام في سوريا. فلماذا سيتغير الحريري اذا؟
وتوقعت تلك الاوساط، ان يتلقف حزب الله تمسك الحريري بنهج «الاعتدال» واعلانه الوقوف مع الدولة بوجه مشاريع العنف الديني والسياسي ومؤازرة الجيش وقوى الأمن لمواجهة الارهاب والتطرف، وفي جلسات الحوار المقبلة ستكون سبل مواجهة هذا الارهاب اولوية، وفصل الحريري بين الاتفاق على الاستراتجية في مواجهة اسرائيل واستراتجية مواجهة الارهاب»، ستستدعي سؤال وفد «المستقبل» الحواري عن الترجمة الفعلية لهذه الاقوال بافعال، فالاجماع حول الجيش وحول مكافحة الارهاب وتقديم المصلحة الوطنية على أي مصالح خارجية أو داخلية، خطوط عامة لا يختلف عليها احد، ولكنها تحتاج الى ترجمة عملية من قبل كامل الاطراف، فقول الحريري «ان الحرب ضد الارهاب مسؤولية وطنية تقع على عاتق الجميع وخلاف ذلك سيصيب الحريق لبنان مهما بلغنا من جهود لاطفاء الحرائق الصغيرة»، كلام جميل، لكن هل سيبقى الارهاب خاضعا للتصنيفات الخاضعة «للعبة» المصالح الاقليمية والدولية، هل هناك «ارهاب» «بسمنة وآخر بزيت»، هل فقط «داعش» تنظيم ارهابي، وماذا عن «جبهة النصرة» واخواتها؟ كلها اسئلة تحتاج الى اكثر من اجابة، واذا كان «المستقبل» جاهزا لخوض هذه المعركة فالطرف الاخر ليس جاهزا فقط لخوضها، بل كان سباقا في هذا المجال.
فثمة تحديات في المنطقة من النوع التي لا تتحمل مواجهتها خطاب يحمل ترفاً فكرياً بحسب الاوساط، وتنظير وفق معادلة «قل كلمتك وامشي»، وعلى سبيل المثال لا الحصر فان مقاربة الحريري للمخاطر «الارهابية» المحدقة بالمنطقة ولبنان دون تقديم اي وصفة لمواجهتها، تشبه اصرار النائب وليد جنبلاط على التمسك بموقفه الحاسم بعدم تصنيف «جبهة النصرة» بانها منظمة ارهابية، ويبقى السؤال ماذا يغير اعترافه من عدمه من الوقائع؟ عمليا لا شيء. فالزعيم الدرزي مطالب اليوم باكثر من محاولة للتشاطر «واللعب على الكلام»، «فجبهة النصرة» التي يحاول مغازلتها بمواقفه امهلت بالامس الدروز في قريتي قلب لوزة، وعربيتا بإدلب شمال سوريا، سبعة ايام لحسم امرهم، وخيّرتهم بين اعتناق الإسلام، أو دفع الجزية، أو التهجير، مع العلم أن الدروز في إدلب لم يقفوا في وجه «الثورة السورية» منذ اندلاعها قبل نحو 4 سنوات، وهم يتماثلون في الموقف مع «بيك» المختارة، فهل لديه وصفة جاهزة لانقاذ هؤلاء؟ طبعا لا يملك، فهو اما سيدعوهم لاعتناق الاسلام؟ او سيساهم معهم في دفع الجزية؟ او يبدأ بتجهيز اماكن للايواء في القرى الدرزية؟ وانعدام الخيارات هذا هو نتيجة الرهانات الخاطئة والاصرار على تبني سياسة العجز «والانتظار» فيما الاحداث لا تتناسب مع هذه الاستراتيجية التي يتبناها الحريري اليوم بعد اخفاق رهاناته السابقة، فيما كان حزب الله سباقا في فهم طبيعة الحرب الدائرة في سوريا، فكانت معركة القصير، واليوم معركة جنوب سوريا، والاهم معركة حماية بلدتي نبل والزهراء في ريف حلب من ابادة مذهبية لو حصلت لما كانت تداعياتها قد توقفت عند حدود.
اما معالم العجز الحقيقية في الخطاب تضيف الاوساط، فقد تبدت في «الحزم» الذي ابداه الحريري بدعوته الحزب الى الانسحاب من سوريا ، ورفضه ربط الجولان بالجنوب ، واصفا اياه «بالجنون»، لكن كيف سيمنع ذلك؟ تسأل تلك الاوساط ، فاذا كانت قدراته الذاتية والخارجية لم تسعفه في وضع هذا الملف على «طاولة» الحوار مع الحزب؟ فكيف سيضع استراتيجيته موضع التطبيق، فيما الحزب يغير الوقائع ومجريات الاحداث بشكل يومي ومتسارع؟
اما الاصرار على عدم منح حزب الله اي تغطية داخلية لما يقوم به في سوريا، فهذا «مصطلح» بات خلف الجميع تقول الاوساط، والحريري يعرف ذلك قبل غيره، ولولا مقتضيات نجاح الحوار الداخلي، لخرج الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بصراحته المعهودة متوجها الى «زعيم المستقبل» بالقول «ومن قال اننا بحاجة لتغطيتكم لما نفعله من واجب وطني في مواجهة الخطر القادم من سوريا؟ ولو ان حزب الله انتظر هذا الاجماع الوطني لما قام اصلا بواجبه المقاوم ضد اسرائيل؟ ولو انتظر حزب الله «التغطية» وانجر وراء الرهانات الخاطئة لما كانت «داعش» واخواتها قد سمحت للحريري في العودة الى بيروت لاحياء ذكرى والده؟ اما الجنون فهو في الاستمرار بدفن «الرؤوس في الرمال»، والرهان على هزيمة محور المقاومة في سوريا، وادعاء البراءة في الاحداث السورية، وعدم الاعتراف بخسارة الرهان على محور يريد ضرب المقاومة في المنطقة ولبنان»!
وتؤكد الاوساط ان «من استدعى الحرائق الى الساحة اللبنانية هو من تآمر منذ اليوم الاول على دمشق وعاش «وهم» اسقاط النظام السوري خلال بضعة اشهر. اما الشباب اللبنانيون الذي يسقطون في سوريا فدماؤهم مسؤولية من ساهم ودعم احضار كل «موبقات» العالم الى سوريا ووضعهم على الحدود مع لبنان، وما يقوم به حزب الله اليوم هو عملية «تنظيف» للموبقات التي يتحمل تيار المستقبل ورعاته الاقليميين الجزء الاكبر من وجودها هناك. ولذلك فان السؤال عما يفعله حزب الله هناك مردود لاصحابه الذين يعرفون جيدا الاجابات». وفي الخلاصة يعرف الحريري جيدا جواب السيد نصرالله «لسنا بحاجة الى دعم احد، او تغطية من احد، فكوا عنا، ونحن بالف خير».
بين خطابي الحريري والسيد نصرالله بضعة ساعات ستكون كافية لابراز الفروقات الهائلة بين رجل «يقول ولا يفعل» على حد قول الاوساط، وآخر يقرن «القول بالفعل»، القاسم المشترك سيكون الاصرار على الحوار لمنع الفتنة السنية – الشيعية، اما الخلاف الجوهري فسيبرز من خلال قدرة رجل على «خلق» المعادلات وقلب «الطاولة» في المنطقة ، وآخر رضي بعجزه في تغيير الوقائع بعد فشله بالمهمة التي اسندت اليه طوال اربع سنوات، فعاد الى بيروت وجعبته خاوية من الحلول، واكتفى خلال الساعات القليلة الماضية في تهدئة مخاوف «الحكيم» من «التسونامي» العوني الذي اجتاح «البيال»، وعمل على معالجة «عقدة» التفوق الجنبلاطية على «المنتفعين» والتي حالت دون حضوره ومن يمثله في المهرجان.
(الديار)