«سور السعودية العظيم» هل يحميها من الإرهاب؟ حميدي العبدالله
بعد الهجمات التي تعرّضت لها السعودية ونفذها مقاتلون من تنظيم «داعش» في مقطع الحدود المشترك مع العراق، وبعد تهديدات عدد من القياديّين في «داعش» من أصول سعودية بأنهم سوف يعمدون إلى احتلال مكة والمدينة المنورة، لجأت الحكومة السعودية إلى بناء جدار، أو سور يحول دون تسلّل المسلحين المناهضين للحكومة في المملكة السعودية، يمتدّ السور الذي أطلقت عليه صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» تسمية «سور السعودية العظيم» على طول 600 ميل، «وضع بطريقة تمنع تسلّل العناصر المتشدّدة سراً إلى داخل السعودية» على أن يتخلّل السور «أبراج حراسة يبلغ عددها 40 برجاً تمتدّ على طول السور» ومجهّز بقدرات تقنية تحول دون تسلّل المقاتلين المناهضين لحكومة المملكة العربية السعودية.
هذه الإجراءات الوقائية تطرح سؤلاً حول فاعليتها في صدّ وإحباط موجة عمليات قد تستهدف السعودية قياساً على تجارب سابقة في العقود الأربعة الماضية، حيث تعرّضت المملكة لمجموعة من الهجمات التي استهدفت مراكز أمنية، ومراكز إقامة للأجانب، ومستشارين وخبراء عسكريين غربيين.
عوامل كثيرة تشير إلى حدود قدرة هذه الإجراءات على الحدّ من تسلل «المتشددين» السعوديين من خارج الحدود وتنفيذ عمليات في داخل المملكة، ناهيك عن عجز مثل هذه الإجراءات عن التأثير على نشاط خلايا نائمة داخل المملكة يمكن أن تتحرك في أي لحظة.
العامل الأول، إنّ هذه الإجراءات تغطي الحدود مع العراق فقط. وعلى فرض أنها نجحت في منع تسلل مقاتلين إلى داخل المملكة من الأراضي العراقية، فإنها لا تستطيع منع متسللين من حدود أخرى، مثل الحدود اليمنية، حيث التضاريس الجغرافية تجعل من الصعب إقامة سور يشبه السور المقام الآن على الحدود مع العراق، وفي اليمن وجود مهمّ لتنظيم «القاعدة» ويحتلّ السعوديون فيه دوراً قيادياً.
العامل الثاني، السعودية من أكثر الدول العربية اتساعاً جغرافياً، وكانت تحتلّ المرتبة الثالثة قبل تقسيم السودان، واليوم باتت هي في المرتبة الثانية بعد الجزائر، وحدودها الخارجية براً وبحراً تقتضي وجود مئات آلاف الجنود للحؤول دون تسلل متشدّدين من الخارج، وعدد سكان المملكة المحدود نسبياً لا يؤهّلها لتجنيد هذا العدد الكبير الكافي لتغطية الحدود الطويلة.
العامل الثالث، برهنت تجارب كثيرة، أنّ مثل هذه الإجراءات قد تحول دون حصول تسلل لمقاتلين من الخارج بسهولة، ولكنها لا تحول دون تحوّل السور ذاته والقوى المولجة بحمايته إلى أهداف يسهل ضربها، وقد تتحوّل إلى أهداف سهلة نظراً إلى انتشار مواقع تضمّ عدداً محدوداً من الجنود على مساحات واسعة، وهذا يسهّل على «المتشدّدين» الذين يستهدفون المملكة، أولاً، ضرب هذه المواقع، وإلحاق خسائر كبيرة فيها، وثانياً، فتح ثغرات لتسلل مقاتلين معادين لحكومة المملكة إذا كان ثمة من ضرورة لتسللهم من هذه المنطقة دون غيرها من مناطق الحدود.
هكذا فإنّ «سور السعودية العظيم» قد يكون مفيداً، ولكنه فائدته محدودة وجزئية، ولا يشكل حلاً للمخاطر التي تهدّد السعودية، الحلّ في اعتماد وتبني حرب شاملة تستهدف هجومياً المتشدّدين، حرب تشمل وقف الدعم عنهم، والتخلي عن الفكر الذي يعزز وجودهم، وعدم التحالف والتعاون معهم، للوصول إلى غايات سياسية وأجندة خفية، وهذا ما لم يبدأ بعد في السعودية.
(البناء)