سورية ولبنان والعراق :من يمنع التواصل ؟
غالب قنديل
لا لزوم للاستغراب فالمفارقة فاقعة وتطوير العلاقة مع سورية ممنوع واللقاء على مستوى وزراء او رؤساء محظور يتحاشاه الجميع بذريعة الاضطرار لعدم إغضاب الولايات المتحدة والكيان الصهيوني والمملكة السعودية ولأن هذا الحظر هو شرط على الدولة اللبنانية نقله الرئيس الفرنسي ماكرون عندما قام برعاية اتفاق مع المملكة السعودية للإفراج عن رئيس الحكومة سعد الحريري الذي كان خطف البلد ثمنا لحريته الشخصية بينما في العراق هو محظور فرضه التقارب مع المملكة وحجم النفوذ الأميركي في مؤسسات الحكم العراقي.
الوصاية الأميركية السعودية سميت في لبنان بسياسة النأي وهي تفرض في الواقع نأيا في اتجاه واحد فهي التحاق بالسعودية والولايات المتحدة ونأي عن سورية وعن إيران والأصح ان تسمى سياسة الانحياز إلى المحور الأميركي السعودي والابتعاد عن سورية وإيران والمكافأة الافتراضية هي الوعد بتأمين قروض جديدة سيبددها النظام البائس القائم ويستسقي بواسطتها تلزيمات وعمولات عبر بيع ما تبقى من مرافق عامة للشركات المحظية الأجنبية ولسماسرتها المحليين من النافذين.
اللافت في الأمر ان الشروط نفسها فرضت على العراق ومثلا رغم القضاء على قوات داعش في جانبي الحدود السورية العراقية وعودة الجيش العربي السوري إلى البوكمال ما يزال الطريق البري الدولي مغلقا ولم تستأنف عمليات انتقال الناس والبضائع التي شكلت دفقا حيويا بين سورية والعراق لم ينقطع على مر العصور ورغم المساعي السورية المكثفة والزيارات المتلاحقة لمسؤولين سوريين إلى بغداد لم تتخذ خطوات عملية جدية من الجانب العراقي لعودة شريان كبير يمثل محورا مهما اقتصاديا وسياسيا واستراتيجيا في المشرق وهو حاجة عراقية ولبنانية وإيرانية وليس فحسب حاجة سورية.
تخشى الولايات المتحدة ودول الغرب والحكومة السعودية من نهوض سورية ومن تواصلها بالعراق ولبنان والأردن فهذا سيعني احتمال نشوء تكتل إقليمي قابل للتطور في جميع المجالات ومنذ الانتداب البريطاني والفرنسي في الشرق العربي عمل الغرب الاستعماري ومعه الكيان الصهيوني بعد اغتصاب فلسطين على منع التواصل الإقليمي مع سورية وطوال ثمانين عاما طاردت العلاقات بين الجمهورية العربية السورية وكل من لبنان والعراق والأردن مؤامرات ومكائد تخريبية لم تنقطع أبدا لمنع قيام الجبهة الشرقية التي مثلت كابوسا دائما للغرب ولإسرائيل.
اليوم تشتد المخاوف الغربية والصهيونية من احتمال قيام تلك الجبهة مع قرب انتصار سورية ودحر الحلف الاستعماري الصهيوني الرجعي حيث يمثل التواصل اللبناني والعراقي الوثيق مع سورية مؤشرا لقيام تكتل إقليمي يستكمل محور المقاومة بعلاقات وثيقة مع إيران وسورية معا وانطلاقا من ديناميات المصالح الاقتصادية والتجارية والفرص المتاحة إقليميا امام لبنان والعراق للشراكة في مجالات الطاقة مع سورية وإيران وعلى صعيد الشبكات العابرة للحدود وكذلك للمساهمة في ورشة إعادة البناء السورية التي تحتوي على فرص نوعية ونادرة للعراق ولبنان بحكم القرب الجغرافي على صعيد فرص العمل الضخمة والاستثمارات الهائلة المتاحة في شتى المجالات الإعمارية والخدمية والإنتاجية.
الاسترهان السياسي عبر الوصاية الأميركية والسعودية يمنع لبنان والعراق من تطوير العلاقة الطبيعية مع سورية ومن التقاط الفرص العديدة والنادرة لصالح البلدين ومن تلبية الضرورات التي تلاقيها العلاقة بسورية اقتصاديا وسياسيا وامنيا.
لقد أسقط الصمود السوري العراقي اللبناني خطة التمزيق والتفكيك التي وضعتها غرف التخطيط الأميركية والغربية التي انتجت داعش وحركت القاعدة في الجغرافية الشرقية والعربية ولكن ممنوع أميركيا تحويل الانتصارات إلى بوادر مؤسسة لإنجازات هجومية يخشاها الكيان الصهيوني وقوى الهيمنة الاستعمارية وحكومات الرجعية العربية التابعة والعميلة.
لذلك يظهر ذلك التصميم والعناد على منع التواصل مع سورية بأي ثمن خصوصا بعدما اظهر التحدي قوى شعبية مقاتلة في لبنان والعراق وسورية تعتنق فكر المقاومة ولديها القابلية والإرادة للقتال ضد قوى التكفير والإرهاب وبالعزيمة نفسها لديها الاستعداد للقتال ضد الكيان الصهيوني وهي الكتلة الشعبية المقاومة التي تشكلت وقاتلت وتعمدت بوحدة الدم والمصير في الميدان السوري.
يقينا إن الوصاية الأميركية والضغوط السعودية لن تمنع قوى الشرق العربي الحية من التواصل والنهوض وإسقاط تلك الوصاية هو الهدف الراهن على جدول الأعمال في لبنان والعراق وبالذات في زمن الانتخابات الذي يجب ان يكون ميدانا لدعم إرادة الاستقلال الناجز وسحق أي قيد يعوق فرص التكامل مع سورية وتحقيق المصالح المشتركة في الدفاع والتنمية والتحرر.