بقلم غالب قنديل

حول نتائج الانتخابات الروسية

غالب قنديل

راهنت الولايات المتحدة الأميركية بقوة على تحويل سورية إلى بؤرة استنزاف للقوة الروسية وبذلت جهودا مكثفة لشيطنة الرئيس فلاديمير بوتين لخدمة رهانها على النيل من رصيده الشعبي في بلاده وظهر ذلك رسميا في تقارير وبيانات وتصريحات صدر منها العشرات منذ الانخراط العسكري الروسي الواسع في دعم الدولة السورية وحلفائها ضد العدوان الاستعماري الذي قادته الولايات المتحدة.

تأخر التحرك الروسي أربع سنوات عن لحظة انطلاق العدوان التي كانت واضحة جدا وعلانية بغرف عمليات يقودها الأميركيون وبحشد للحكومات المشاركة عالميا وإقليميا في دعم واحتضان عصابات التكفير وواجهات حلف الدمى الذي جمع زمر الأخوان المسلمين بشخصيات ليبرالية مرتبطة بالاستخبارات الأميركية والسعودية والفرنسية والبريطانية والصهيونية كذلك.

كانت سورية بالنسبة للرئيس فلاديمير بوتين هي القلعة التي يمكن ان يبنى عليها مسار عالمي جديد ينهي عهد السيطرة الأميركية الأحادية المستمرة منذ انهيار الاتحاد السوفيتي والخارجة عن القانون الدولي والأعراف الملزمة باحترام سيادة الدول.

صمود الدولة الوطنية السورية وشجاعة الرئيس بشار الأسد كانا موضع إعجاب بوتين المعلن منذ انقلاب أوكرانيا وهو وجد تعزيزا لفرصة تغيير المعادلات الدولية من سورية في دينامية محور المقاومة حول القلعة السورية التي استقطبت شراكة في الميدان ودعما اقتصاديا من حليفتها الثابتة في المحور إيران بينما ظهر حزب الله في الميدان بمساهمة نوعية إلى جانب الجيش العربي السوري.

من سورية كانت فرصة ثمينة لروسيا وللرئيس بوتين لفرض حضور حاسم وفاعل في المعادلة الدولية وفي وجه الهيمنة الأميركية ومنذ الفيتو المزدوج حتى الشراكة العسكرية والسياسية الواسعة مع الدولة السورية مسار صعود وتحولات كبيرة سياسية واستراتيجية اتاحها الميدان السوري للرئيس الساعي علانية إلى فرض احترام روسيا الدولة العظمى التي تعاملها الولايات المتحدة وحكومات الغرب كدولة طرفية يمكن تهميشها وتطاردها بالعقوبات.

في سورية وبالتعاون مع رئيسها وقيادتها وجيشها اختبر الروس فرص توثيق الشراكة الاستراتيجية مع إيران ميدانيا وسياسيا ومن سورية قدمت روسيا للعالم ريادتها في مقاتلة قوى الإرهاب والقضاء عليها وهي تحمي بذلك عمقها الحيوي من خطط أميركية غربية وخليجية وتركية لنقل عصابات التكفير نحو المحيط والداخل الروسيين وهو ما ألمح إليه بوتين في قمة دوشانبي لمجموعة الدول المستقلة التي سبقت قراره بالاتفاق مع الرئيس بشار الأسد على مباشرة التحرك العسكري إلى سورية جويا ثم بحريا وبريا.

من سورية أدار الرئيس بوتين أوسع عرض قوة عسكري يشهده العالم من سنوات بصورة أظهرت عمليا مزايا الصناعات الحربية الروسية وتفوقها ومزايا الفوة العسكرية الروسية المتجددة ومن سورية دخلت روسيا بقوة إلى السباق المحموم عالميا على موارد الطاقة وخطوط نقلها القارية وشبكت مع المشاريع الصينية لإحياء طريق الحرير ومن سورية سنحت لبوتين فرصة انطلاق عملية ردع وترويض الجار التركي اللدود والمثير للقلق بسبب دعمه لجماعات عرقية ودينية متطرفة تهدد الأمن الروسي وجواره.

جميع تلك الخطوات الروسية الواثقة كانت من الميدان السوري في ميزان إنجازات الزعيم الروسي تسندها شراكات اقتصادية متنامية مع الصين ومجموعة البريكس وتطوير لفاعلية اقتصادية مؤثرة في العالم تتحدى منظومة الهيمنة الأميركية الأحادية وما سمي بالعصر الأميركي غداة انهيار الاتحاد السوفيتي الذي تخلده الذاكرة الشعبية الروسية كمرحلة تاريخية مجيدة لا سيما حقبة مقاومة النازية والتصدي للاحتلال وتحول روسيا إلى دولة عظمى كما كانت عبر التاريخ.

في نتائج الانتخابات الرئاسية رسالة واضحة عن حجم التأييد الشعبي الكاسح للرئيس بوتين بوصفه صانع قوة روسيا الجديدة ودورها العالمي الصاعد بتحدي الهيمنة ومساندة الدول المستقلة المستهدفة ورفض انتهاك قيم السيادة والاستقلال بتقديم نموذج متفوق قانونيا وأخلاقيا وفي قلب النتائج حضور لافت للقيم الاشتراكية بكتلة الأصوات التي نالها مرشح الحزب الشيوعي الروسي والمشترك بين حصيلة بوتين والمرشح الشيوعي هو مساندة رفض الرضوخ للهيمنة الأميركية والتمسك بدور روسي قوي وفاعل في العالم.

روسيا الرأسمالية وروسيا الاشتراكية تلتقيان على مناهضة الهيمنة الأميركية والغربية التي تستهدف روسيا امنيا واقتصاديا وإعلاميا وسياسيا وتجتمعان على فرض القوة الروسية العالمية الصاعدة بكل الوسائل واعتبار سورية مرتكزا لهذا النهوض الروسي في الجغرافية السياسية والتوازنات العالمية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى