مقالات مختارة

لماذا يجب القلق من مديرة الـ«سي.اي.اي» وليس من بومبيو؟: ابراهيم ناصرالدين

من الان وحتى استلام وزير الخارجية الاميركي الجديد مايك بومبيو مهامه رسميا، لن تشهد السفارة الاميركية في بيروت جديدا لجهة حصول تغييرات جذرية في السياسة الاميركية تجاه لبنان..«الستاتيكو» ستكون عنوان المرحلة الراهنة الشديدة الحساسية للسفيرة اليزابيت ريتشارد التي تنتظر كما باقي السفراء الاميركيين مصيرها على رأس مركزها، وكذلك طبيعة التعليمات الجديدة من واشنطن. لكن ماذا عن مستقبل النظرة الاميركية للساحة اللبنانية؟ وهل التصعيد الاميركي المرتقب في الملفات الساخنة في المنطقة سيكون له انعكاسات مباشرة على الوضع اللبناني؟

المؤكد بحسب اوساط وزارية بارزة، ان لبنان الذي يشهد مرحلة شديدة الاهمية مع اقتراب الانتخابات تشريعية، لن يتأثر سريعا بقرار اقالة ريكس تيلرسون من منصبه خصوصا في ملف الانتخابات النيابية الذي بات وراء الجميع، فهذا الملف ليس اصلا على رأس جدول اعمال الوزيرالجديد الذي يحتاج الى موافقة الكونغرس على تعيينه، ولن يستطيع اللحاق بهذا الاستحقاق، وما قامت به السفارة في بيروت من سحب لدعمها المادي «والدعائي» للكثير من مجموعات الحراك المدني المرشحة للانتخابات بعد اكتشاف «اصولها» «اليسارية، وعدم نجاح السفيرة الاميركية في جمع الحلفاء على مشروع موحد لمواجهة حزب الله، اخرج واشنطن من دائرة التأثير الفعلي في هذا الاستحقاق، وهي الان تنتظر النتائج لترفع تقريرها الى الخارجية.

وفي هذا السياق، يعتبر الموقف من لبنان «القاسم» المشترك المتفق عليه بين وزارتي الدفاع، والخارجية، والبيت الابيض، والمواجهة المفتوحة مع حزب الله في حدودها الراهنة تعتبر الحد الاقصى الذي تصبو اليه واشنطن في هذه المرحلة، باتفاق جميع الاجهزة المعنية، فالاولوية ستبقى لتشديد العقوبات المالية «لمحاصرة» الحزب، وذلك في اطار الموازنة بين زيادة الضغط ومنع الانفجار، لكن هذا لن يمنع المواجهة المفتوحة خارج الحدود اللبنانية، مع العلم ان ملف الحزب ليس في الخارجية الاميركية، وانما في «البنتاغون» و«السي اي ايه»، وهما الجهتان اللتان تديران المواجهة معه، ولذلك لا تاثير مباشر بعد تغيير تليرسون.

لكن المرحلة المقبلة ستكون مسرحا لاختبار جدي لسياسة وزير الخارجية الاميركي الجديد تجاه النزاع النفطي مع اسرائيل، لان «بصمات» تيلرسون على هذا الملف كانت واضحة لجهة مقاربته بشكل هادىء، واعتماده على ديبلوماسية «الحوار» البناء لايجاد تسوية مقبولة من جميع الاطراف، واضعا خبرته «النفطية» في تصرف طرفي النزاع. اما بومبيو فيشكل نسخة متطرفة في الخارجية عن رئيسه دونالد ترامب، وهو يؤمن بالديبلوماسيّة المَدعومة بالقوة، ولكنه سيصطدم في هذا الملف بالمصالح الاسرائيلية التي ستكون العامل المؤثر في كيفية المعالجة، وسيكون توازن «الردع» مع حزب الله الذي دفع اسرائيل الى طلب الوساطة الاميركية، عاملا حاسما في المقاربة الجديدة، خصوصا ان الجانب اللبناني غير مستعد لتغيير موقفه الرافض للتنازل عن اي من حقوقه النفطية.

وبعد موافقتها على هذا الاستنتاجات، دعت اوساط ديبلوماسية غربية مسؤولين لبنانيين بارزين الى ضرورة الحذر من تعيين جينا هاسبيل المدير الجديد للسي آي أيه، اكثر من القلق من انتقال بومبيو الى الخارجية، فهذه «المقاتلة» الطموحة تحتاج لاثبات اهليتها في هذا المنصب وتريد ان تترك «بصمتها» كاول امرأة تتبؤا هذا المنصب. وهاسبيل المعروفة بتطرفها ستسعى الى تغيير جذري في ادارة الجهاز، وهي ستدفع باتجاه تبني سياسات اكثر عدائية تجاه «اعداء» واشنطن، وهي متهمة بتأييد تعذيب المعتقلين، وفي حقها دعاوى قضائية في اوروبا… ومن ابرز مبادئها تفعيل العمليات «الوقائية» كاولوية في استراتيجيتها الامنية، وهذا يعني الانتقال الى مرحلة جديدة من تشريع عمليات الاغتيال الممنهج، وكذلك العمليات الامنية السرية «خارج الاسوار»، تزامنا مع عمليات عسكرية منتقاة.

وفي هذا الاطار، لا تستبعد تلك الاوساط عودة الحرارة «الامنية» الى الساحة اللبنانية، لكن ساحة «الصدام» العسكري الاولى فمن المرجح ان تكون في الجنوب السوري. فالجهود الديبلوماسية التي بدأتها الخارجية الاميركية من خلال الدعوة قبل يومين الى عقد اجتماع عاجل في الأردن، بسبب قلق واشنطن من تقارير تفيد بوقوع هجمات للجيش السوري في درعا، ستشهد «تجميدا» ولن تستكمل في عهد بومبيو الذي يؤمن بضرورة الاستفادة من وجود قاعدة «التنف» قرب الحدود السورية – الأردنية – العراقية، لدعم موقف واشنطن الديبلوماسي من خلال تقديم العون للفصائل المسلحة لاحداث توازن جديد في ميزان القوى بعد سقوط الغوطة الشرقية المرتقب، وستكون هذه العملية الاولى من نوعها لضرب ما تسميه واشنطن «الميليشيات الشيعية» التي تديرها إيران، شمال درعا، والقنيطرة، وقد تتمدد العمليات نحو البادية السورية، وهذه المعركة تم تأجليها أكثر من مرة، بفعل ما يعتبره فريق ترامب اللصيق ، ضعفا في الديبلوماسية الاميركية في عهد تيلرسون، وسيكون بالامكان تجاوز هذه العقبة في عهد بومبيو، واذا ما صدقت التقديرات ستكون هذه العملية الاولى للصدام المباشر مع حزب الله وغير المباشر مع ايران.

وفي رأي تلك الاوساط، اول المستفيدين من اقالة تيليرسون سيكون السعودية بسبب العلاقة الودية والاستراتيجيٍة التي كانت تربط تيلرسون بقطر، ومواقفه المعارضة لإلغاء الاتّفاق النَّووي مع إيران، وحرصه على بَقاء تركيا حليفا رئيسيا لواشنطن…الرياض ستكون اكثر ارتياحا في التعامل مع بومبيو لكنها لن تتمكن من استثمار هذا التغيير على الساحة اللبنانية لان البيت الابيض استمع خلال ازمة «اختطاف» الحريري الى توصيات وزارة الدفاع، ووكالة الاستخبارات الاميركية، اللتين توافقتا مع وزارة الخارجية على انتقاد الخطوة السعودية ونصحوا الرئيس بالضغط على الرياض لمراجعة موقفها، وهذا ما حصل..ولن يتغير شيء الان.

وتلفت تلك المصادر، الى ان العناوين المفترضة للسياسات الخارجية الاميركية الجديدة لن تكون صادمة، وسبق وعبر عنها ترامب بنفسه، لكن تيلرسون كان آخر الرجال «العقلاء» في إدارة الرئيس الاميركي، وكان مهمشا في كافة القضايا الاساسية في السياسة الخارجية الاميركية، ولذلك فان الحدث الاكثر خطورة، سيكون خروج الرئيس الاميركي من الاتّفاق النووي الإيراني، والاقالة التي حصلت لرئيس الديبلوماسية الاميركية ترجح احتمال حصول ذلك في المرحلة المقبلة، لان بومبيو اكثر المؤيدين لقرار مماثل، واقالة تيلرسون اقصت آخر المعترضين في الادارة الاميركية وهو ما يضعف موقف البنتاغون المعارض لهذا الاجراء .. وهذا ما يضع المنطقة امام احتمالات خطرة لا يمكن التنبؤ بها، وللاسف فإن لبنان يبقى جزءا من هذا الصراع المفتوح على كافة الاحتمالات.

(الديار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى