احتفال بديون وبأوهام جديدة ؟
غالب قنديل
في لحس المبرد يتوهم الفأر المتورط انه يلعق دما وجده بينما الحقيقة انه يمتص دمه وعصارة لسانه حتى يموت وتلك هي حكاية لبنان مع حلقة الاستدانة والخصخصة والتقاسم التي انطلقت منذ العام 1992 وتحولت إلى دائرة مفرغة لم تجد حتى الساعة من لديهم الشجاعة والإرادة في كسرها وتحدي المتعيشين عليها من المرابين واللصوص في الداخل والخارج من الناعقين لخراب كل شيء حي على أرض لبنان ولهجرة المزيد من شبابنا المحملين بشهادات عليا وكفاءات مبهرة والمشفوعين بدموع الأمهات والآباء.
وجع الديون والقروض في كل بيت لبناني والنهج الاقتصادي والمالي المقامر الذي يقود لبنان هو هو مبني على شهوة اقتطاع الريع ومواصلة تدمير الإنتاج وخصخصة المرافق العامة القديمة والمستحدثة باستجلاب شركات دولية متعددة الجنسيات لتضع يدها على مرافق سيادية فتكرس جهدها لنهبنا وامتصاص خيراتنا المبددة في مزاريب التقاسم والمحاصصة والهدر المستدام والعين على موارد النفط والغاز للسنوات العشر القادمة .. هي عين السماسرة والوسطاء اللبنانيين وأعين الشركات الغربية التي توظف التهديد الصهيوني لابتزاز مساحة اكبر من حضورها اللصوصي المشبوه.
لا احد يفكر في استنهاض قطاعات الإنتاج فلا خطة وطنية لتنمية الصناعة والزراعة ولا برامج فعلية لتطوير المعاهد التقنية الصناعية والزراعية ولا اولوية للاستثمار في شبكات الري وشبكات تسويق المنتجات اللبنانية الزراعية والصناعية ولا برامج لتصنيع السياحة وإحياء المناطق الريفية والطرفية المهملة بينما يمكن استثمار عشرات المعالم الأثرية والمزايا الطبيعية النادرة في جميع انحاء لبنان لكن تسويقها سياحيا يحتاج إلى تخديمها بشبكة طرق ومواصلات متطورة وبفنادق صغيرة وإلى تطوير الصناعات والحرف التراثية باستثمارات خاصة وبشبكات لتسويق منتجاتها عالميا.
الديون المنوي تسولها مجددا في مؤتمرات واتصالات مهمتها سداد أقساط ديون متراكمة ومتوجبة السداد وسوف يستهلك بعضها في عائدات المصارف المتضخمة وعبر دورات الإنفاق السارية بكل ما فيها من شبكة مصالح وتنفيعات وصفقات تلزيم وسوف تتقاسم عوائدها قوى الحكم وهي احيانا تتناحر على معدلاتها وقد بلغ الأمر بهذه القوى انها تناهشت وتناتشت على قسمة عائدات جمع النفايات فأنشأت شركاتها المناطقية والطائفية الخاصة لوراثة تركة سوكلين المولود العجيب للعهد الإعماري بعد الطائف.
جميع قوى السلطة بدون استثناء تتقاسم المتاح وتتجه لمزيد من الاستدانة بانتظار الصندوق السيادي للنفط والغاز حتى يتم استنزافه بالديون بدلا من تخصيص موارده لثورة تقنية إنمائية تحول لبنان إلى قوة اقتصادية مهمة في المنطقة والعالم وتستثمر في الاقتصاديات التقنية العالية التي يبرع فيها لبنانيون متفوقون في جميع انحاء العالم ينبغي استرجاعهم إلى وطنهم كقوة فعالة ومنتجة.
يحتفل المسؤولون بفرص الاستدانة وينفذون بدقة طلبات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وإملاءات نادي باريس ونادي روما وبناء عليها ترسم السياسات والتدابير الاقتصادية والمالية لنيل الرضا والمباركة وللحصول على القروض بتسويق سندات بالعملة الأجنبية سيصدرها مصرف لبنان بتوكيل وتغطية من الحكومة اللبنانية فهل حقا في الأمر ما يستحق الاحتفال ام هو العار المتمادي لنظام تابع ومرتهن لا يمارس إرادته او سيادته على البنيان الاقتصادي الوطني بالقليل من الحس الوطني المسؤول.
من اجرى مراجعة في هوية الاقتصاد الوطني واولوياته ؟ ومن دقق في حساب المدفوعات وفي الميزان التجاري ؟ ليحدد الأولويات التي تخدم التنمية اقتصاديا وسياسيا ومن بنى القرار الاقتصادي الحكومي على منهجية علمية تلحظ جدولا زمنيا للتخلص من المديونية عبر تنمية موارد جديدة من عائدات الإنتاج الوطني ومن تطويره وتوسيعه ؟ بدلا من استنفاذ الفرص المتقلصة والمحدودة في هدر ريعي بائس للثروات لمضاعفة عائدات المنتفعين وشركاتهم وشركائهم المتلهفين لعمولة هنا او هناك.
لا تنمية بدون برنامج إنمائي جذري له بعده الاقتصادي والاجتماعي والتعليمي فماذا تقول موازنات الدولة اللبنانية منذ انطلاق العهد الإعماري المتواصل والمتجدد غير النقيض من ذلك ؟ من يرد إصلاحا فليبدأ من هنا أي من وضع برنامج جذري لن تصوغه شركة اجنبية ولا خبراء اجانب بل إرادة وطنية حرة بصلابة المقاومة التي صنعت استقلالنا في وجه أعتى قوى العدوان وكل ما قد يبدو مستحيلا وصعبا يمكن تطويعه فقط بتلك الإرادة.