بقلم غالب قنديل

دور إيران الإقليمي

غالب قنديل

لايملك أي من خصوم إيران والمتحاملين عليها القدرة على إنكار كونها قوة إقليمية فاعلة ولها وزنها ودورها الاقتصادي والسياسي والعسكري منذ آلاف السنين حين كانت الإمبراطورية الفارسية من القوى الكبرى المقررة في العالم القديم.

ساهمت الحضارة الفارسية في تكوين الميراث الحضاري للمنطقة ومنذ الفتح الإسلامي توسعت تشابكات نسيج إيران الحضاري والثقافي والاجتماعي بالبلاد العربية وكانت المساهمات الإيرانية في مختلف مجالات الفقه والفلسفة والثقافة والعلوم والموسيقى من موارد النهضة العربية في الحقبتين الأموية والعباسية ومابعدهما.

إن مرحلة النظام الإيراني التابع للغرب بذاتها شاهد على كون إيران قوة إقليمية اعتمدها الغرب لسنوات طويلة بوصفها الشرطي الوكيل في منطقة الخليج وتعودت حكومات عربية عديدة على الارتباط بإيران الشاه اقتصاديا وسياسيا ومخابراتيا بإيعاز بريطاني ومن ثم اميركي وهو ارتباط كان من انماط التواصل غير المباشر مع إسرائيل بواسطة طهران وكان ذلك النموذج الذي نصح به البريطانيون عملاءهم من الحكام العرب ساريا ومتبعا في لبنان والأردن والمغرب والعراق الملكي وكذلك في ممالك ومشيخات الخليج بصورة عامة.

تغيرت حسابات الدور الإقليمي لإيران بعد قيام الثورة وانتصارها وتأسيس النظام الجمهوري الذي دشن سياسته الإقليمية بموقف نوعي تمثل في تبني قضية فلسطين والمقاومة الفلسطينية واعتبارها مبدأ رئيسيا في رسم السياسة الخارجية الإيرانية وتوجيهها واطلقت إيران كذلك رؤية استراتيجية تنطلق من أولوية التصدي للكيان الاستعماري الصهيوني بوصفه مركز منظومة الهيمنة الاستعمارية الغربية على المنطقة وهكذا جسدت إيران نزعتها الاستقلالية والوطنية بأولوية الصراع ضد الكيان الصهيوني ومساندة المؤمنين بتحرير فلسطين في البلاد العربية وهو ما كان يفترض أن يبني أسسا راسخة لحلف عربي واسع مع إيران ولمناخ أخوة عربية إيرانية قوية وثابتة.

مضت أربعة عقود كانت فيها إيران قوة تدافع عن سيادتها واستقلالها وتتصدى لتحديات الحصار المفروض عليها وتواجه تدخلات خارجية واسعة تقودها الولايات المتحدة والغرب وإسرائيل ومعها حكومات عربية استهدفت الداخل الإيراني إعلاميا وسياسيا وامنيا.

أسست إيران شراكة حقيقية واسعة مع الدولة الوطنية السورية التي وقفت لوحدها ضد محاولات تصفية قضية فلسطين واحتضنت حركات المقاومة في فلسطين ولبنان وشكل المحور السوري الإيراني قوة دفاع عن المنطقة في وجه العدوان الصهيوني ومشاريع الهيمنة الصهيونية الغربية كما أقامت علاقات تعاون مع بعض الحكومات العربية التي ميزت نفسها برفض القطيعة التي أملاها الأميركي حتى على شركائه الأوروبيين وفرضها على توابعه في البلاد العربية وقد بنت إيران الجمهورية علاقات وثيقة بدول كالجزائر وسلطنة عمان ودولة الكويت وغيرها.

إيران هي المعتدى عليها من الولايات المتحدة والغرب بواسطة بعض الحكومات الإقليمية ونهج العدوان تجلى منذ البداية في الحرب التي شنها العراق فور انتصار الثورة الإيرانية بعدما فسخ اتفاقية الجزائر بمبادرة من الرئيس الراحل صدام حسين وبتحريض اميركي فرنسي سعودي استكمل بالعدوان العسكري.

إن العديد من الحركات الوطنية والشعبية التحررية التي حاصرها الحلف الأميركي السعودي واستهدفها بشتى الوسائل وجدت في المحور السوري الإيراني وفي دعم طهران مصدرا تستمد منه الدعم السياسي والعملي وتلك ليست فحسب حالة المقاومة الفلسطينية بجميع قواها وتياراتها بل إن سائر القوى الوطنية اللبنانية التي اتخذت قرار المقاومة بعد الاجتياح الصهيوني عام 1982 لم تجد امامها سوى دمشق وطهران التي فتحت أبوابها وقدمت كل الدعم لجميع المقاومين بجميع عقائدهم واتجاهاتهم ومن دون أي استثناء وهذا ما كان أيضا حال العراق بعد الاحتلال الأميركي وخلال السنوات الماضية في مجابهة التهديد التكفيري لولا الدعم الإيراني لما امتلكت القوى الشعبية المقاومة او وحدات البيشمركة في العراق قدرات فعلية على التصدي لزحف جحافل التكفير والتوحش كما أن إيران كانت هي السند الفعلي الداعم لكفاح السوريين واللبنانيين ضد الإرهاب التكفيري الذي حركه الغرب بقيادة أميركية وبمشاركة الحكومات الإقليمية المتورطة في تركيا وقطر والسعودية بصورة خاصة.

هذه الصورة الواقعية لدور إيران الإقليمي تبين شراكة فعلية مع القوى الحية التي تدافع عن شعوب المنطقة وعن امنها واستقرارها وهو دور إيجابي وبناء في ميزان مصالح الشعوب وقواها الوطنية بينما جل الوقائع تبرهن على تآمر خصوم إيران ضد البلدان الشقيقة وعلى التورط في خطط تدميرها وتفكيكها لخدمة المشاريع الأميركية الصهيونية.

تتجسد الهيمنة الاستعمارية الصهيونية اليوم في غاية محددة وحاسمة هي تصفية قضية فلسطين وحيث يمثل الموقف الإيراني الحاضن للمقاومة ولفكرة تحرير فلسطين عقبة جدية وصعبة في وجه هذه المشاريع يتركز الضغط الأميركي الصهيوني الغربي على استهداف دور إيران الإقليمي وحيث ترد العبارة في البيانات والتصريحات يكون المقصود بالذات هو ذلك الدور الإيراني في دعم المقاومة الفلسطينية وقوى الاستقلال والتحرر في جميع بلدان المنطقة وبالذات الشراكة السورية الإيرانية التي تعمدت بتغلبها على أصعب الظروف والتهديدات والمؤامرات على مدى العقود الأربعة المنصرمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى