الغضب بسبب غلاء المعيشة يهدد ملك الأردن المحبوب: تسفي برئيل
«أنا أحبك يا ملقي، بعرق جبيني اشتريت تنكة الوقود ولم يبق لي أي قرش. من فضلك يا ملقي، ارفع الضرائب»، غنت الفرقة الانتقادية «تشويش واضح» الأردنية في برنامجها الأسبوعي في قناة «رؤيا» عن رئيس الحكومة الأردني هاني الملقي. هذا هو البرنامج الأكثر شعبية الذي ينتظره كل يوم اثنين آلاف المشاهدين الأردنيين، وحوالي مليون و200 ألف شخص من متصفحي اليوتيوب، الذي يبث فيه البرنامج. «لا يوجد عمل ولا يوجد وقود، نحن نأكل دجاجا فاسدا ونستخدم كهرباء مسروقة»، غنت الفرقة التي تتكون من 18 شابا من مدينة إربد .
خلافا لفنانين انتقاديين مصريين، يخافون من الظهور في التلفاز وحتى في الشبكات الاجتماعية، فإن الأردن ما زال يسمح بهذه العروض من خلال مقاربة تقضي بأنه من الأفضل الغناء في الإنترنت بدل التظاهر في الشوارع. ولكن المظاهرات والمقالات الانتقادية لا تنقص البلاط الملِكي. في الأشهر الأخيرة منذ أن صودق على ميزانية الأردن الكئيبة، تجري مظاهرات ليست كبيرة، لكنها دائمة، في مدن كثيرة في الدولة، من عمان وإربد وحتى الكرك والسلط، وذروتها كانت في هذا الأسبوع عندما قام عشرات المزارعين بإحضار فواكه ودجاج إلى المظاهرة أمام البرلمان. بعد تسعة أيام تظاهروا ضد قرار الحكومة لرفع الضرائب على المنتجات الزراعية. حسب أقوال المبادرين للمظاهرة فغن نحو 40 في المئة من المواطنين يعتاشون من الزراعة، وفرض ضرائب على منتجاتهم بنسبة يتوقع أن تصل إلى 10 في المئة، سيؤدي إلى تدمير هذا الفرع.
الأردن يعتبر دولة مستقرة والملك فيها محبوب، لكن يتم إسماع انتقادات شديدة على «مقربيه». هذه نخبة تضم وزراء ومستشارين وأبناء عائلة وأصحاب رؤوس أموال، الذين يعتبرهم الجمهور ليس فقط مستنقعا للفساد، بل أشخاص مقطوعون عن الشعب وعبء على الملك، كما عبر عن ذلك في هذا الأسبوع كاتب المقالات الشهير طاهر العدوان. وحول موجة الضرائب التي توصف في الأردن مثل «التسونامي»، قررها رئيس الحكومة بمباركة الملك، لقد بدأت في كانون الثاني عندما قررت الحكومة رفع الضرائب الكبير على 164 سلعة منها سلع أساسية. مثلا سعر الخبز ارتفع بأكثر من 10 في المئة بعد أن ألغت الحكومة الدعم الحكومي عنه، والمواصلات بحوالي 9 في المئة، والتبغ والسجائر بأكثر من 20 في المئة ـ والرواتب بقيت على حالها.
ولكن الاستقرار السياسي لا يعني الهدوء، والغضب العام على الغلاء والمعيشة هو عامل محرك يهدد عدة أنظمة في الشرق الأوسط. ولا توجد أي ضمانة بأنه لن ينفجر أيضا في الأردن.
الدين العام للحكومة يبلغ 40 مليار دولار، تشكل حوالي 95 في المئة من الناتج الإجمالي المحلي مقابل 71 في المئة في العام 2011.
العجز في الميزانية هذه السنة يتوقع أن يكون أكثر من مليار دولار، وهناك من يقولون إنه سيقفز إلى 1.7 مليار، ومعدل البطالة الرسمية يقترب من 18 في المئة.
الأردن موجود في أزمة اقتصادية وفساد عميق بعد بضع سنوات من النمو الذي خلق الشعور بأن المملكة خرجت بسلام من التقلبات في المنطقة. ولكن عندما تصل فقط 80 شاحنة من الأردن إلى الحدود العراقية مقابل 600 شاحنة كانت تصل قبل سيطرة داعش على أجزاء من العراق، وبعد عدم تجديد السعودية ودول الخليج المساعدة التي تبلغ 3.6 مليار دولار لخمس سنوات، التي انتهت في 2017، فإن الأفق يبدو متكدرا والملك عبد الله الثاني الذي يحكم منذ 19 سنة المملكة، يسعى إلى البحث عن التبرعات من مصادر أخرى. الرئيس ترامب تعهد بالفعل بمنح الأردن حوالي مليار وربع مليار دولار في السنة لمدة خمس سنوات، لكن رغم أهمية هذه المساعدات، إلا أن ثلثها مخصص للاحتياجات العسكرية. وحوالي الثلثين للمساعدة الاقتصادية التي سيذهب أغلبها كما يبدو لدفع الرواتب وليس من أجل التطوير الضروري جدا للمملكة.
«نحن قلقون من اللحظة التي لا يكتفي فيها الجمهور بمظاهرات هادئة أو أفلام قصيرة انتقادية»، قال للصحيفة محاضر كبير في جامعة عمّان، الذي حصل على اللقب الثاني في إسرائيل.
الأردن يعرف كيف يواجه المظاهرات السياسية مثل التي اندلعت بعد قرار الرئيس ترامب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، أيضا تجاوزنا مظاهرات الانتفاضة الثانية تقريبا بدون أضرار، حيث كان الملك في حينه كان قد بدأ ولايته، لكن الآن الحديث يدور عن ظروف مختلفة، اكثر خطورة.
المحاضر يشرح بأن البنية الديمغرافية في المملكة لا تشبه التي كانت قبل ست سنوات. «الأردن يستضيف حوالي مليون ونصف مليون لاجئ سوري، وإذا أضفنا إليهم اللاجئون من العراق ومن الفلسطينيين، تقريبا نصف السكان هم لاجئون فقراء، وعلاقتهم مع الدولة واهية. يمكنك تخيل أن المواطنين سيستقبلون بتسامح إصلاحات اقتصادية، لكن للاجئين لا يوجد مثل هذا الصبر». أغلبية اللاجئين السوريين يعيشون في المدن الكبرى، وفقط حوالي 20 في المئة يعيشون في مخيم اللاجئين الكبير الزعتري في شمال الدولة.
حسب تقديرات الأمم المتحدة، حوالي 85 في المئة من أطفال اللاجئين هؤلاء يعيشون تحت خط الفقر. هذا برميل مواد متفجرة يمكن أن ينفجر، ليس فقط ضد الحكومة، بل أيضا بين المواطنين واللاجئين الذين يتهمون بأنهم يسرقون مصادر الرزق للمواطنين. الضائقة تسببت أيضا بظاهرة جديدة وهي أعمال السطو على البنوك ومحطات الوقود والأملاك الخاصة بمستوى لم نعرفه في السابق.
العلاج الذي اقترحه الملك هو كالعادة، تغييرات في الحكومة. أربعة وزراء أقيلوا في نهاية شهر شباط وبدلا منهم عين أربعة آخرون. ولكن المتظاهرين يطالبون بإقالة كل الحكومة وحل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة. هذا الطلب كما يبدو رفض. ربما يستجيب الملك أيضا لطلبات المزارعين من أجل تهدئة الشارع. ولكن هذه خطوات صغيرة لا يمكنها إرضاء الاقتصاد الأردني والحاجة إلى تطوير جوهري يوفر آلاف أماكن العمل بمستوى مرتفع لخريجي الجامعات الذين يضطرون إلى الانتظار أحيانا سنوات إلى حين إيجاد مكان عمل مناسب لتأهيلهم. «رئيس الحكومة يطالب بأن يحكموا عليه في نهاية السنة، وفقط حينها أن يقرروا إذا كانت قراراته جيدة أو فاشلة»، كتب العدوان. «ولكن من الذي سيحدد الفشل أو النجاح، باستثناء غضب الجمهور الأردني في مظاهراته؟».
هآرتس