اعترافات الراشد ومشروع ترامب
غالب قنديل
خصص الكاتب السعودي القريب من الملك السعودي وعائلته السيد عبد الرحمن الراشد مقالته اليوم في صحيفة الشرق الأوسط للحديث عن فرص صفقة القرن التي يعتزم طرحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب وهي في الواقع فصل جديد من فصول محاولات الولايات المتحدة لتصفية قضية فلسطين وتكريس الهيمنة الصهيونية في المنطقة وقد جاء في المقال اعتراف فعلي بغاية الحروب التي تم خوضها وتحريكها في المنطقة لضرب مواقع الاعتراض على تصفية قضية فلسطين وهو ما يفسر الانخراط السعودي النشط في تلك الحروب التي انفقت فيها المملكة مئات المليارات لتمويل صفقات السلاح ولشراء المواقف الدولية المشاركة في الحروب الأميركية الصهيونية ولتجنيد جيوش المرتزقة ولدعم عصابات التكفير من فصائل داعش والقاعدة وجماعة الأخوان المسلمين التي يصنفها الراشد في قائمة القوى المستهدفة وهي في الواقع استهدفت بقصد التطويع سعوديا بينما كانت الوظيفة القطرية التركية هي احتواؤها وتسهيل انخراطها في الخطة الأميركية الصهيونية السعودية الكبرى.
المقاطع التي اخترناها مما كتبه الراشد تحت عنوان ” هل ينجح ترامب فيما فشل فيه الآخرون “هي الأوفى والأوضح في تاكيد الاستنتاج بأن غاية الحرب على سورية والهدف من حشد فصائل التكفير والتوحش في المنطقة وحرب اليمن والسعي لتدمير العراق وكل الويل الذي عاشته دول عربية عديدة كان بالتحديد تصفية قضية فلسطين.
يقول الراشد “ألفت النظر إلى أن ظروف النجاح موجودة اليوم. المناخ الإقليمي تحديداً، مهيأ أفضل من أيام كامب ديفيد في السبعينات، وأفضل من زمن مؤتمر مدريد للسلام في مطلع التسعينات، وكذلك اتفاق أوسلو الأشهر. وبالتأكيد أفضل من مناخ مشروعات السلام اللاحقة في طابا، واي ريفر، ووادي عربة، وغيرها.”
ويشرح الراشد بالتفصيل سبب استنتاجه السابق بكل صراحة : “أما لماذا نرى الطقس السياسي اليوم ملائماً لمشروع سلام كبير فهو بفضل المشهد الكبير من التغييرات التي أصابت المنطقة العربية. فقد خرج من اللعبة أكثر الناس عداءً، وتخريباً لمشروعات السلام الماضية، صدام حسين ومعمر القذافي وبشار الأسد، والمنظمات الفلسطينية اليسارية، وتم إقصاء الإخوان من الحكم في مصر، وإضعافهم في السودان، وصار حكم آية الله إيران مهزوزاً في الداخل، ومتورطاً في سوريا والعراق، ومربوطاً بالاتفاق النووي ورفع العقوبات المشروط. ولا أريد أن أعتبر خروج تنظيمات إرهابية مثل «القاعدة» و«داعش» لأنها أصلاً لم تكن طرفاً في المعادلة، ولا سعت لتخريب المشروعات السابقة.“.
إذن فالفكرة الصلبة التي يعرضها الراشد ان الحروب والمؤامرات وقوى التكفير حققت غاية اميركية صهيونية هي ضرب وإضعاف الدول والقوى المتصادمة مع خطط تصفية قضية فلسطين وإشغالها وإنهاكها حيث تعذرالتخلص منها وهو أدلى بشهادة مفيدة بأن القاعدة وداعش لم تكونا يوما من بين الجهات التي اعاقت او قد تعيق الخطة الأميركية السعودية الصهيونية المسماة “مشروع السلام “حسب الراشد وقاموسه السياسي.
الاستنتاج الراشدي الذي هو خلاصة تقدير الموقف السعودي التي تفسر الحماسة الكبيرة لتحركات ترامب ونتنياهو الأخيرة : “هذا الغياب الكبير لقوى المعارضة للسلام لا يعني أن المناخ العربي الجديد متحمس للصلح اليوم، بل لأنه لا يفكر فيه ولا يتحدث عنه، منشغل بقضاياه الخطيرة، ثلاث حروب كبرى في سوريا وليبيا واليمن، عدا عن التوترات والمواجهات الأمنية الواسعة في مناطق دول الحزام المجاورة للحروب “.
إشغال المنطقة باستنزاف يبعد العرب عن قضية فلسطين وثلاثة حروب كبرى يتباهى بها القادة السعوديون ضد سورية واليمن وليبيا تشغل جوار هذه الدول وتستنزفه وتقلقه وتبدل اولوياته هذا اعتراف يلخص كل ما نشهده من سنوات والأصح منذ احتلال العراق قبل أربعة عشر عاما بالتمام وهو يقرر الهدف الموصوف أي فرض الإذعان للهيمنة الصهيونية والاعتراف بالكيان الصهيوني ومكانته المركزية في منظومة الهيمنة الإقليمية وصرف انتباه الرأي العام العربي عن هذا المخطط وهذا ما قلناه مباشرة عندما أشعلت كل تلك الحروب والأحداث التي شهدناها منذ إسقاط بغداد وإشعال الحرب على سورية وتدمير ليبيا وإحراق اليمن.
ما تجاوزه الراشد عن قصد هو ان النجاح في خلق المتاعب لإيران ولسورية واليمن وليبيا والعراق وللمقاومة الفلسطينية واللبنانية ولحلف المقاومة الإقليمي لا يحسم شيئا وهو يبقي الصراع مفتوحا على مبادرات هجومية يتحضر لها المحور بكل قواه وقدراته المتعاظمة كما تبين الوقائع وهذا المحور الصامد في اليمن والمنتصر في سورية والعراق يتأهب للنهوض في وجه خطة التصفية الأميركية الصهيونية السعودية التي تستنهض الشعب العربي الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية.
ربما يصح استنتاج الراشد الذي دفعه لكتابة مقاله بان اللحظة الانتقالية التي تسبق حسم الصراع لصالح المحور في سورية قد تكون فرصة سانحة لتأسيس سوابق في الصلح السعودي الصهيوني العلني قبل اكتمال مشهد انطلاق نهوض قومي جديد ستكون دمشق مركزه ورافعة رايته ومنبر انطلاقه من حولها بتداعيات تمتد من الخليج إلى المحيط فالقادم من دمشق هو بشارة ميلاد مارد عربي جديد يملك سطوة الجمع وهيبة الصمود وقدرة الاستنهاض ومصداقية المقاومة والتحرر.