هكذا حمى حزب الله «مدرسة» الحريري الأب ومنع انهيارها فهل يُصوّب الشيخ سعد «البوصلة» في الذكرى العاشرة للاغتيال؟ ابراهيم ناصرالدين
قبل ساعات من احياء الذكرى العاشرة لاغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، تكثر الاسئلة حول الخطوط العامة لخطاب الرئيس سعد الحريري، وعما اذا كانت ستحمل في طياتها «خارطة طريق» واضحة «للمستقبل» من خلال الاستفادة من اخطاء الماضي، والسؤال الاهم يرتبط بفهمه لاحداث المنطقة التي قدمت تفسيرا واضحا عن اسباب اغتيال والده؟
اوساط سياسية بارزة في 8آذار، لا تتوقع تحولات جذرية في خطاب الحريري، رغم النصائح التي قدمت اليه بتقديم جردة حساب للتحرر من اخطاء الماضي التي ادت الى شبه انهيار «لمدرسة» الشهيد، فالاستمرار بخوض التجارب والرهانات اثبت عدم جدواه، وللمفارقة هنا فان ما فرط به الشيخ سعد خلال السنوات العشر الماضية، تولى حزب الله الحفاظ عليه، فالفضل الكبير في الحفاظ على «ارث» الرئيس الشهيد رفيق الحريري يعود للحزب، ولولا تدخله في تصويب «انحراف» قيادة التيار الازرق، لكانت «مدرسة» الحريري الاب قد اقفلت ابوابها منذ زمن بفعل الانسياق «الاعمى» نحو الانتقام والثار، دون التوقف مليا امام حقيقة وخلفيات عملية الاغتيال التي لا يمكن فهمها دون قراءة الاحداث والتطورات التي تلتها في المنطقة وعنوانها الرئيسي ضرب تيار الاعتدال السني لفتح الطريق امام تمدد التطرف التكفيري، واذا كان الرئيس الحريري احد اكبر العقبات امام تمدد هذا المشروع، فان حزب الله كان اول المتضررين منه.
وتلفت تلك الاوساط، الى ان الرعاية «الابوية» التي قام بها الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله لعائلة الشهيد منذ الساعات الاولى لعملية الاغتيال كان هدفها الرئيسي اشعارها انها ليست لوحدها في هذا المصاب «الجلل»، والاهم في ذلك الوقت كان عدم انهيار «الحالة» الحريرية وانتقال جمهور المستقبل الى ضفة التطرف السني. وكان حزب الله حريصا على استكمال تطبيق مفاعيل الحوارات الطويلة التي جمعت الحريري الاب والسيد نصرالله مع «الورثة» وفق خريطة طريق اولية كانت معالمها قد اصبحت واضحة بين الرجلين، لكن ما حصل في وقت لاحق من قبل الحريري الابن افرغ هذا الحوار من مضمونه، مع تبني الشيخ سعد لنظرية اتهام النظام السوري اولا بعملية الاغتيال ثم الانتقال لاحقا الى اتهام قيادات امنية وعسكرية في الحزب بالاغتيال.
وفي هذا السياق فان موافقة الرئيس الحريري على العودة مجددا الى الحوار مع حزب الله، لا تعد تنازلا او منة منه تجاه الحزب، وعلى العكس من ذلك فالمقاومة تجاوزت هنا محاولة تلطيخ سمعتها والنيل منها باتهامها بجريمة ذات طابع مذهبي وسياسي، وبتواضع كبير تراهن مرة جديدة على امكانية حماية هذا التيار من الغلو، ولولا حسن التبدير الموجود لدى قيادة حزب الله لما كانت قبلت الجلوس مع من يواصل اتهامها بـ «جريمة العصر»، ولولا حرصها على بقاء هذا التيار بوجهه المعتدل لكانت طالبت باعتذار مسبق عن كل ما جرى سابقا. كما لم تكن لتقبل بهذا التواصل قبل التخلي عن المسار الخاطىء للمحكمة الدولية.
وتلفت تلك الاوساط، الى ان حرص حزب الله على حماية «المدرسة الحريرية» من الانحراف، تجلت عامي 2006 و2008 فهذان العامان شهدا اكثر الانحرافات خطورة. فغداة بدء حرب تموز انجرفت قيادة «التيار الازرق» مع الفريق الاقليمي المراهن على هزيمة المقاومة وتبنى الرئيس الحريري «معادلة المغامرون». وبعد الانتصار، عض حزب الله على الجرح وساهم في انتاج صيغة سياسية اعادت «تلميع» «صورة» تيار المستقبل. طبعا ما حصل يومها كان الخروج الاول والصريح من قبل الحريري الابن عن خط والده الذي خاض معركة ديبلوماسية شرسة عام 1996 انتهت الى اقرار تفاهم نيسان، الذي اعتُبر نصراً ديبلوماسياً للدولة اللبنانية والمقاومة.
وبعد التحرير عام 2000 كان الحريري الاب قد بدأ بالبحث عن صيغة لاستيعاب مقاتلي «حزب الله» في الدولة بعد الانسحاب الإسرائيلي للاستفادة من قدراتهم في الاجهزة الامنية والعسكرية اللبنانية، لكن نجله في العام 2008 تبنى خيار نزع سلاح الاشارة من المقاومة، بعد ان خطى خطوات سريعة نحو خلق ميليشيات موازية في بيروت، في تناقض صارخ مع قيم الحريري الاب غير العنفية. فكان لا بد من اعادة تصويب البوصلة من جديد، وكانت العملية العسكرية الدقيقة التي قام بها حزب الله، من اكثر الدلائل على نية حزب الله الاحتوائية. هذه الخطوة لم يتم استثمارها سياسيا على الارض، رغم الحاح حلفاء المقاومة على ضرورة «قلب الطاولة» وتغيير الوقائع، لكن قيادة الحزب كانت حريصة على عدم انهيار «ارث» الحريري، فجاء اتفاق الدوحة ليعيد انتاج صيغة التوازنات القديمة، وبدل ان يدفع تيار المستقبل ثمن اخطائه الفادحة عاد الى تسلم السلطة التنفيذية من جديد، رغم الاستفزاز الكبير يومها لجمهور الثامن من آذار من خلال الاصرار على عودة الرئيس فؤاد السنيورة الى السراي الحكومي، لكن الحزب تجاوز هذا الامر «التفصيلي» حماية للسلم الاهلي وتعزيزا لـ «الاعتدال» السني…
وبحسب تلك الاوساط، لم يتوقف الامر عند هذا الحد، فحزب الله تجاوز ايضا انحراف تيار المستقبل عن «مدرسة» الوالد، حين دعمت قيادة المستقبل التنظيمات المتطرفة في الداخل اللبناني لمواجهة المقاومة، ودفع الحزب مع الجيش اللبناني اثمانا باهظة نتيجة هذه المغامرة غير المحسوبة في الرهان على تلك المجموعات في عبرا وفي طرابلس ومختلف المناطق اللبنانية، وبعد ان جرى اضعاف هؤلاء، ونجح العمل الامني والعسكري في تضييق الخناق عليهم، نفض «التيار الازرق» يديه منهم بعد ان «احترقت ورقتهم» بفعل التطورات على الساحة السورية واللبنانية. وهنا لم ينسق حزب الله ايضا الى سياسة «الانتقام»، ومرة جديدة جرى انقاذ الرئيس الحريري من دفع ثمن خياراته الخاطئة التي اخرجته لسنوات من السلطة التي بقيت محفوظة له عن سابق تصور وتصميم. فهل يستفيد الحريري الابن من تجربة السنوات العشر ويبدي حرصا على استعادة دور «مدرسة» والده؟
باعتقاد تلك الاوساط، فان الحريري مطالب باكثر من تقديم عناوين «فارغة» المضمون عن اختياره طريق «الاعتدال»، وليس كافيا «طرد» النائب خالد الضاهر من كتلة المستقبل لما سببه من حرج امام الحلفاء المسيحيين، لاثبات ذلك، فيما لم يحاسبه احد في السابق على كلامه المذهبي وتحريضه على الجيش. المطلوب «خارطة طريق» واضحة تكون «جردة حساب» جدية عن اخطاء الماضي المرتكبة بحق «نهج» الوالد اولا، وبحق «الخصوم» و«الحلفاء» ثانيا، وعليه ايضا تقديم اجوبة مقنعة لجمهوره عن اهمية حواره مع حزب الله، وتقديم الامر كـ «قناعة» راسخة، لا باعتباره مجرد تقطيع وقت بانتظار تطورات قد لا تأتي ابدا، او نتيجة لانعدام في الخيارات.
كما عليه ان يقدم افكارا قابلة للتطبيق ضمن «بيئته» من أجل تمكين لبنان من مواجهة الإرهاب، بالتعاون مع اقرانه اللبنانيين والدول الشقيقة والصديقة، وعليه ايضا ان يستعيد دور والده المحوري الذي ساهم في محطات كثيرة في التواصل بين المملكة العربية السعودية وبين إيران وفي تحسين العلاقات الغربية السورية إبان حكم الرئيس الراحل حافظ الأسد، وغيرها من الادوار التي جعلت منه رجل المهمات الكبرى. دون ذلك لن يكون هذا الخطاب متناسبا مع الذكرى العاشرة للاغتيال. كل ما قام به الحريري الابن يعاكس الطموحات التي تطلّع إليها الحريري الاب وكل ما قام به الابن شكل على مدى السنوات الاخيرة الخيبة الأكبر لأفكاره. فهل يستفيد الشيخ سعد من اخطاء الماضي ويستغل الفرصة الراهنة لاعادة تصويب الاخطاء؟ ام سيستمر في الرهان على «حكمة» حزب الله الذي يبدو اكثر حرصا على «ارث» الحريري الاب؟
(الديار)