تطور التدخل الأميركي السعودي
غالب قنديل
تحتل القضية الوطنية اولوية حاسمة في زمن الغزو الأميركي الصهيوني للمنطقة العربية وفي ظل الحروب المتعددة التي تديرها وتحركها في خدمة هيمنة الحلف الإمبريالي الصهيوني حكومات الرجعية العربية لتدمير قدرات الأمة ولفرض الإذعان للعدو الصهيوني ولتكريس صفقة القرن الترامبية التي تعني استكمال فصل جديد من تصفية قضية فلسطين.
مواقع المقاومة في المنطقة كلها مستهدفة وخصوصا في فلسطين ولبنان وسورية والعراق واليمن حيث يلقي حلف العدوان بثقله لترميم اوضاعه بشتى الوسائل تارة بالتصعيد العسكري وطورا بالتهويل بشن حروب جديدة ومرات بالضغوط والتدخلات السياسية والمخابراتية والمالية خصوصا حيث تجري انتخابات كما هي حال لبنان والعراق وحيث تتصدر الأولويات الأميركية الصهيونية السعودية غاية محاصرة خيار المقاومة والاستقلال الذي أفشل مخطط الاستهداف الدموي بواسطة داعش والقاعدة.
فالقرار الأميركي الصهيوني الواضح هو محاولة منع القوى الشعبية التي انتصرت على وحوش التكفير من تحقيق إنجاز انتخابي وتحويل رصيدها إلى قوة فعل سياسية وتأثير في معادلة القرار الوطني بخيار الانحياز الواضح إلى شعب فلسطين والانضمام لجبهة مقاومة العدو الصهيوني وذلك ما تستنفر له جميع القدرات والإمكانات وبشتى الوسائل.
يمكن لنا في لبنان ان نتعامل اصطلاحا مع الشبكة السياسية الشعبية الداعمة لخيار المقاومة بوصفها تيارا عريضا عابرا للطوائف والمناطق يستدعي توحيده جهودا كثيرة انطلاقا من طبيعة التحدي المصيري الذي تحوله التدخلات الأميركية السعودية والتهديدات الصهيونية إلى معركة مصيرية وهذا التيار بجميع مكوناته مستهدف بمحاولات إضعافه وتفكيكه ومحاصرته بالإغراءات وبالتحالفات وبالضغوط وبتغذية التناقضات لمنع توحده في التحالفات الانتخابية كما هي الحال بين المردة والتيار الوطني الحر في الشمال او بين الحزب الديمقراطي وحزب التوحيد في الشوف وعالية او بين الحزب الشيوعي وعموم القوى الوطنية الأخرى والمشكلة ان هذه القوى تستغرق احيانا في حساسيات وخلافات جزئية لا ترقى إلى المستوى الذي يبرر افتراقها وامتناع جمعها بامتناع المبادرات الممكنة من سائر المعنيين.
زيارة الرئيس سعد الحريري إلى السعودية وجولة الموفد السعودي قبلها هي نتيجة لقرار أميركي بتحريك جميع التدخلات الممكنة في لبنان مخابراتيا وإعلاميا وماليا للتأثير في نتائج الانتخابات النيابية بأقصى طاقة ممكنة بهدف السعي إلى منع التغيير السياسي المحتمل في هوية الغالبية النيابية لصالح المقاومة وحلفائها انطلاقا من التقدير الأميركي القائل بان النظام النسبي الذي اعتمده قانون الانتخاب على علاته سيوفر فرصة لنشوء غالبية نيابية داعمة ومتبنية لخيار المقاومة.
لمنع هذا الاحتمال يجري استعمال شتى ادوات التدخل في الانتخابات مخابراتيا وسياسيا وإعلاميا وماليا حيث يبرز الدور السعودي في الواجهة وفي هذا السبيل اتخذ القرار بترميم العلاقة مع الرئيس الحريري وبتنشيط الحملات ضد حزب الله وخيار المقاومة وسورية بقيادة القوات اللبنانية الفصيل المتقدم في الجبهة الأميركية السعودية المناهضة للمقاومة.
ليس واضحا حتى الساعة انعكاس زيارة الحريري للمملكة على تحالفاته وآلته الانتخابية مع ورود معلومات عن ضخ الأموال وإنعاش ماكينة تيار المستقبل وربما التمهيد لمصالحات مع المتمردين على زعامة الشيخ سعد الذين اتهموا بالخيانة والغدر خلال فترة اعتقال رئيس الحكومة في المملكة وما نشر في الصحف هو خبر استبعاد السيد نادر الحريري عن الوفد المرافق بتحفظ سعودي يحمل “ابن العمة” مسؤولية في الأزمة وهي إشارة لوجود شروط سعودية وقابلية رئيس الحكومة للتلبية والتكيف.
في أي حال عندما استهدف ولي العهد السعودي رئيس الحكومة اللبنانية كان يحمله مسؤولية فشل المملكة ومخابراتها واموالها وإعلامها في استهداف حزب الله وفقا لخطة مشتركة مع الولايات المتحدة وإسرائيل منذ حرب تموز حتى اليوم وعندما تصالح المملكة رئيس الحكومة اللبناني ترضخ لطلبات اميركية فرنسية بوجوب احتواء الحريري والمساعدة في ضبطه ضمن الأولويات اللبنانية للسياسة الأميركية ومحورها في الانتخابات منع قيام غالبية نيابية جديدة ومؤتمرات التسول الدولي التي يجري الترويج لها وحشرت مواعيدها في زمن الانتخابات هي من ادوات الترويج الانتخابي والابتزاز السياسي للشعب اللبناني بلقمة عيشه لإيهام اللبنانيين بأن فرجا كبيرا سياتي على يد الحريري وحلفائه في واشنطن وباريس وحاضنيه في الرياض وقد هندست الضغوط المعيشية والمصرفية في هذا التوقيت لخدمة تلك الغاية.
على اللبنانيين ان يخرجوا من قوقعاتهم الصغيرة والمتعفنة بالعصبيات والولاءات الجزئية وان يتمردوا على الخمول وان يفركوا عيونهم ويتبصروا جيدا فما يدبر هو فرض وصاية أميركية سعودية صهيونية على البلد والتصويت في الانتخابات هو اختيار بين خط المقاومة والاستقلال وتلك الوصاية الكريهة قرينة الديون والتسول والمذلة والرضوخ للشروط الصهيونية.