أوباما: تفويض بلا جغرافيا عامر نعيم الياس
طلب الرئيس الأميركي في الحادي عشر من الشهر الجاري من الكونغرس، «تفويضاً باستخدام القوّة عسكرياً» ضدّ «داعش»، ويتضمن النصّ المقدّم من البيت الأبيض أربع نقاط رئيسة هي:
ـ المدة الزمنية للتفويض المطلوب هي ثلاث سنوات تمتد حتى عام 2018، أي بعد رحيل أوباما، وعلى الرئيس الجديد اللجوء إلى الكونغرس في حال أراد تعديل التفويض أو تمديده.
ـ الحرب التي يقودها التحالف تستهدف «داعش» والقوى والأشخاص المرتبطين به.
ـ لا وجود لقيود جغرافية على مناطق عمليات القوات الأميركية ضدّ «داعش» الذي يحاول التوسّع خارج حدود العراق وسورية.
ـ «الصلاحيات الممنوحة لا تسمح باستخدام القوات المسلحة الأميركية في عمليات بريّة هجومية مستدامة»، وذلك بحسب القسم الثاني من الوثيقة المرسلة إلى الكونغرس.
النقطة الأخيرة في استراتيجية أوباما للحرب على «داعش» تعدّ أساس معظم الجدل والنقاش داخل الإدارة الأميركية. فأوباما يريد وضعَ حدٍّ لخيار نشر قوات دائمة لمحاربة أعداء الولايات المتحدة على الأرض. ويتوقع أن تحظى بالكمّ الأكبر من الخلاف والانقسام بعد انتهاء عطلة الكونغرس في الثالث والعشرين من الشهر الجاري. وفي الواقع، فإن أوباما يحاول تكريس «التعميم» والاحتمالات المفتوحة، والتأويلات المتعدّدة، لتنسحب على مجمل الأداء الأميركي في سورية، وحتى في استراتيجية الأمن القومي التي قالت «بالصبر تجاه سورية». وهو في دلالاته كناية عن الاستنزاف المدمّر للمنطقة بانتظار شكل المتغيّرات، التي من الواضح أن الإدارة الأميركية ـ كما النخب ـ غير قادرة على التكيّف معها ومواكبتها. ولذلك فالحل هو الصبر واستخدام التعابير الفضفاضة من دون تحديد هدف الحرب، ومن دون تحديد جغرافية لها وحتى من دون التقيّد بالجدول الزمني الذي يبدو نظرياً جداً إذا ما قورن بالوقائع التي نعيشها اليوم. فالحرب التي يخوضها الرئيس الأميركي ضد «داعش» منذ الثامن من آب 2014 تستند إلى تفويض منحه الكونغرس في عامَي 2001 و2003 للرئيس الأميركي الأسبق جوج دبليو بوش في حربه على إرهاب «القاعدة» في أفغانستان، ونظام الرئيس العراقي الراحل صدّام حسين في العراق. ومع ذلك، وعلى رغم كلّ العقبات القانونية والتساؤلات حول هذا الملف، استطاع الرئيس الأميركي بصلاحياته الدستورية الالتفاف على سلطات الكونغرس وإنشاء تحالف دولي يقود العمليات ضدّ عدوّ جديد.
الصوغ في مشروع قانون التفويض الذي يريده أوباما غير واضح عمداً، فهو على رغم منعه أي عمل هجومي على الأرض، إلا أنه لا يمنع نشر قوات محدودة على الأرض، هنا أيضاً لا يعرف ما العديد الذي يتطابق مع تفسير كلمة «محدودة» وفق فهم البيت الأبيض، وما هي الأسباب التي من الممكن ان تدفع إدارة الرئيس الأميركي إلى «تدخل بري محدود عبر عمليات قوات خاصة عسكرية، أو عمليات استخبارية»، أمر توصّفه صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية بدقة حين قالت إن أوباما «يعتزم ترك الباب مفتوحاً لعمليات برّية قصيرة»، هذا من ناحية.
من ناحية أخرى، يطرح التفويض الذي طلبه أوباما علامات استفهام حول التفويض السابق الذي استند إليه في حربه ضدّ «داعش»، أي التفويض الممنوح لحرب بوش في العراق وأفغانستان. فهل يلغي هذا التفويض تفويض الحرب السابقة وفقاً لما أكّدته صحيفة «وول ستريت جورنال»، أم أنّ أوباما سيوسّع هامش المناورة لديه ولدى قادته ليعمل وفقاً لتفويضين؟ هل يشمل التفويض الجديد الحركات المتطرّفة الأخرى كحركات «القاعدة» أمثال «جبهة النصرة» و«جيش الإسلام» في سورية، و«بوكو حرام» في نيجيريا، والحركات الإسلامية في ليبيا، أم أنه خاص فقط بـ«داعش» والقوى التي تعلن مبايعتها له؟
بانتظار تصويت الكونغرس على التفويض والمتوقع في أوائل آذار المقبل، وبغضّ النظر عن إمكانية حدوث تعديلات في مشروع أوباما للتفويض العسكري لإدارته، فإن حرب أوباما على الإرهاب الجديد هي حرب لا حدود جغرافية لها، تستند في ذلك على عقيدة «داعش» العابرة لحدود «سايكس ـ بيكو»، تلك العقيدة التي يبدو أنها تناسب أهداف النخبة الأميركية الحاكمة في خلط الأوراق على كافة المستويات.
(البناء)