ساترفيلد جاسوس إسرائيلي: ناصر قنديل
– لسنا بصدد مناقشة الموقف الأميركي المعروف بانحيازه للمصالح الإسرائيلية، والعاجز عن لعب دور الوسيط النزيه في كلّ قضية تكون «إسرائيل» طرفها الثاني، كما هو حال ملف لبنان وثروته من النفط والغاز، الذي أثارت «إسرائيل» حول الحقوق اللبنانية في مياهه الإقليمية عاصفة لم تهدأ، ولا حول التاريخ الشخصي لدايفيد ساترفيلد كسفير أميركي سابق لدى كيان الاحتلال وقد عمل سفيراً في بيروت، وفي المهمّتين كان يعبّر بحماسة عن التزامه المصالح الإسرائيلية، ويتقن تحويل المكانة الدبلوماسية الأميركية إلى منصة لخدمة المصالح الأميركية .
– القضية هي في سؤال أمني عسكري حمله ساترفيلد للمسؤولين اللبنانيين، يتصف بوضوح بالطابع التجسّسي لحساب «إسرائيل»، ولم يتورّع فحمله بتكليف إسرائيلي بكلّ وقاحة ودار به على المسؤولين اللبنانيين، والسؤال هو: هل سيطلب مجلس الدفاع الأعلى من حزب الله مباشرة أو بصورة غير مباشرة إيقاف منصات النفط والغاز الإسرائيلية إذا تعرّض العمل في البلوك التاسع لمعوقات أمنية وعسكرية إسرائيلية؟ وإنْ لم يطلب وقام حزب الله بالردّ هل سيقوم لبنان بتغطية هذا الردّ؟ وهو سؤال يشكل الجواب عليه هاجس القيادة العسكرية والاستخبارية في كيان الاحتلال وتحاول جمع المعلومات حول الجواب عليه، فتطوّع الجاسوس ساترفيلد لحملة والعودة بالجواب.
– من الطبيعي أن ينفتح لبنان على وساطات مثل الوساطة الأميركية في ملف النزاع النفطي المفتعل من جانب «إسرائيل» رغم الإدراك بحجم الانحياز الأميركي لـ«إسرائيل»، لكن من الطبيعي أيضاً أن يحذّر لبنان أيّ مسؤول دولي يلعب دور الوساطة من تحويل مهمّته لعمل تجسّسي لخدمة الحسابات العسكرية والأمنية الإسرائيلية، وصولاً لرفض مواصلته القيام بمهام الوسيط. ولا ينفع هنا الحديث عن نظريات من نوع التحسّب الأميركي لمخاطر التصعيد، وهو تحسّب يصبح مشروعاً لو كان عنوانه الجهة التي يمكن أن تبدأ بالعمل الأمني والعسكري، وهي قطعاً ليس لبنان، وليس الجهة التي تجزم بعزمها على الردّ فقط وهذا هو حال لبنان، والتحقق من صيغة وطبيعة الردّ لا وظيفة له في السياسة، والوساطة، بل هو سعي لجلب الاطمئنان الإسرائيلي في حال الإقدام على الاعتداء بماهية السيناريو الذي سيعتمده لبنان. وهو سيناريو عسكري أمني يُعتبر من أسرار الدولة ويشكل كشفه جريمة، عنوانها نقل أسرار الدولة لجهة عدوة.
– آن الأوان ليعلم ساترفيلد أنّ الموقف الذي لم يتوقعه من لبنان هو ورئيس الدبلوماسية الأميركية ليس صدفة، ولا موقفاً عابراً، بل هو تعبير عن خيارات استراتيجية ثابتة للدولة اللبنانية في الدفاع عن حقوقها السيادية، وله مندرجات تخصّ لبنان وحده في حال وقع العدوان، لأنّ مهمة الوساطة تنتهي مع أول طلقة إسرائيلية تستهدف لبنان براً وبحراً وجواً، ومهمة الوسيط التحقق من صدقية المنطلقات القانونية والتقنية التي يقدّمها كلّ فريق حول خلفيات موقفه والسعي للمواءمة بينها وبين معطيات القانون الدولي، وإبلاغ مَن يخرق هذا القانون بأنه لن يلقى أيّ تفهم في حال العدوان، وأنّ العالم سيقف مع المعتدى عليه، وأنّ الإصرار على رفض الحلول المنسجمة مع قواعد القانون الدولي سيعرّض المرتكب للعقاب الدولي، وإعلان وقف الوساطة. أما إذا وقع العدوان فكلّ وسيط ملزم بالوقوف في صف المعتدى عليه، وليس التجسّس على كيفية ردّه لينقلها للمعتدي كي يكمل خططه وحساباته قبل القيام بالعدوان.
– ساترفيلد ليس جاسوساً إسرائيلياً وحسب، بل وقح أيضاً.