أوجلان وسورية الأسد
غالب قنديل
في إحياء الشعب الكردي الشقيق لذكرى اعتقال زعيم حزب العمال عبد الله اوجلان تكررت الروايات الزائفة عن لغز مغادرة أوجلان لسورية وعن مؤامرة اعتقاله التي نعرف جيدا أنها كانت نتيجة تنسيق أميركي تركي صهيوني وهو الثلاثي الذي كان يحضر ضمن إطار الناتو حربا على سورية عام 1998 بذريعة احتضانها للزعيم الكردي وتهديد الأمن القومي التركي وكان المخطط الأميركي أصلا يضع الجمهورية العربية السورية بين فكي كماشة لشن حرب مدمرة.
اسرائيل كانت تبحث عن رد اعتبار بعد هزائمها المتكررة أمام المقاومة اللبنانية وتسعى لتلافي الاضطرار إلى الخروج من لبنان بأي ثمن بينما كانت السلطات التركية مترنحة تحت الضربات السياسية والعسكرية المتلاحقة التي يسددها ثوار حزب العمال الكردستاني الذين يتدربون وتجري عملية تعبئتهم وتنظيمهم في معسكرات أقيمت في البقاع اللبناني تحت حماية القوات السورية وفي ظل تواجد زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان وقيادة الحزب في دمشق وهي علاقة قامت قبل ذلك التاريخ أي ربيع عام 1998 بعشرين عاما فقد كانت البداية عندما قدم أوجلان مع مجموعة من رفاقه كمتطوعين للقتال إلى جانب المقاومة الفلسطينية والقوى الوطنية اللبنانية في التصدي للاجتياح الصهيوني وكانوا في الخطوط الأمامية للقتال.
عشرون سنة من الاحتضان السوري قاد خلالها أوجلان من دمشق والبقاع اللبناني عملية تأسيس حزبه وأدار العشرات من عمليات الغوار الكردية ضد القوات التركية دفاعا عن الفلاحين والفقراء الأكراد الذين تعرضوا للبطش والقمع بينما تحول حزبه إلى قوة استقطاب سياسية في الشارع التركي وتحلقت حوله منظمات وتشكيلات يسارية شاركته العديد من التحركات الطلابية والعمالية في المدن ومراكز الولايات من خلال الواجهات الشعبية الديمقراطية التي أتقن الحزب العمل من خلالها وتمرس كوادره في هذا الشكل النضالي من خلال كفاحهم في الدول الأوروبية حيث ينتشر أكثر من خمسة ملايين كردي تتواجد منهم جالية ضخمة في ألمانيا كان حزب العمال الكردستاني يقودها ويتواصل معها سياسيا وإعلاميا بواسطة قناته الفضائية.
في ربيع 1998 زارني المناضل الكردي اللبناني الراحل المحامي حسن محمد الذي كان المترجم الذي حضر جميع لقاءاتي مع الزعيم الكردي منذ عام 1978 وكان يتولى فيها الترجمة وأبلغني دعوة اوجلان للقائه في دمشق وقال إن الأمر ضروري وعاجل وقد تفاهمنا على ترتيبات الزيارة.
عندما وصلت إلى إحدى فيلات المزة بدمشق حيث يقيم أوجلان وكان في استقبالي مع رفاقه وبعد ساعات من النقاش السياسي الذي شارك فيه زوار من القيادات الكردية العراقية على طاولة الغداء كانت جلسة شاي مغلقة بيننا وبادرت بسؤال صديقي عن سر دعوته العاجلة وعن الأمر الطارئ وكنت أعرف الكثير عن التهديدات التركية لسورية وعن الشراكة التركية الصهيونية في التآمر على سورية وعن الدور السوري الكبير في دعم المقاومة اللبنانية والفلسطينية ومنع تقدم الخطط الأميركية الصهيونية للهيمنة على المنطقة تحت يافطة عملية السلام المزعومة.
أجابني أوجلان مباشرة كعادته: ” طلبت اللقاء بك لتكون شاهدا للتاريخ على قرار قد يثير جدلا فقد قررت مغادرة سوريا لأن وجودي هنا بات عبئا على هذه الدولة التحررية العظيمة و على قائدها الكبير الرئيس حافظ الأسد و أنا أعرف ان التهديدات التركية جدية وهي من تخطيط الناتو و إسرائيل وأعتقد انك تشاركني الرأي بأنه إذا خسرنا سوريا هذه القلعة الحرة في هذا الزمن الصعب فسوف تعيش جميع شعوب الشرق وحركات التحرر والمقاومة في نكسة خطيرة وسوف تختل المعادلات لصالح الصهيونية والاستعمار”.
أجبته موافقا على استنتاجه وعرضت رؤيتي لما يدور من تآمر على سورية بسبب دورها المحوري في تعطيل الخطط الأميركية الصهيونية الرجعية في المنطقة رغم انهيار الاتحاد السوفيتي واختلال التوازنات العالمية والإقليمية وتوهم المخططين الأميركيين أن من المتاح إخضاع القلعة السورية وتصيد الذريعة التركية لوجود اوجلان ورفاقه في دمشق ولبنان ودمجها بشكوى إسرائيل الدائمة من الدعم السوري للمقاومة في لبنان وفلسطين.
سألته عن البدائل التي يفكر بها فقال : “إن الظرف الراهن دوليا كما تعلم هو ظرف صعب وهناك اختلال كبير في التوازنات منذ انهيار الاتحاد السوفيتي والصهيونية ناشطة في كل مكان و لكن الأساس بالنسبة لي هو كيف أحرر سورية و الرئيس حافظ الأسد و مشروعه التحرري في المنطقة من عبئنا بعدما تحملنا كثيرا ودعمنا بقوة وثبات في اصعب الظروف بالنسبة إليه فسأبقى انا ورفاقي وشعبي مدينين لسورية ولقيادتها مدى الحياة و أنا لا أقيس الأمور من زاوية بعض المطالب الكردية في سورية فالتفاهم حولها متاح بالحوار مع القيادة السورية وهي ستجد طريقها للمعالجة لكن من زاوية الوضع الإجمالي للأكراد في المنطقة و حيث مراكز الثقل في تركيا والعراق فهناك عبء خطير سياسي واقتصادي وامني واستراتيجي تحملته سورية بشرف خلال الثلاثين عاما الماضية و هذا أمانة في عنق شعبي على مر الزمن ولن يأتي وقت تسمع فيه ان عبد الله اوجلان سمح بقيام أي كردي بإيذاء سورية أو النيل منها و هي لها ما لها علينا لأجيال قادمة”.
بعد لقائنا بأشهر غادر عبدالله دمشق و كان ما كان من اختطافه و اعتقاله و نقله إلى تركيا في خطة محكمة دبرتها المخابرات التركية وشاركت فيها الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية، و قيل الكثير يومها للزعم بأن سوريا أرغمته على المغادرة أو أنها تواطأت في اعتقاله لكني ربما أكون من قلائل يعرفون أن عبدالله أخذ قراره بنفسه و رفض إحراج القيادة السورية بسؤالها و قال يومها : بعد كل ما قدمه لشعبي و قضيتي لست أنا من يقول للرئيس حافظ الأسد قدم لي الحماية حتى لو دخلت حربا قد تدمر دولة مستقلة بناها السوريون بقيادتك وضحوا كثيرا من أجل قيامها وفي سبيل قوتها و مناعتها ، لقد ساعدنا القائد الأسد وحمانا وقدم لنا الدعم في أحلك الظروف واليوم صارت حركتنا بقوة تضمن لها استمرارها وينبغي أن نحرره من عبئنا الخطير.