مقالات مختارة

الحدود الجنوبية: «خط الهدنة» لا الخطّ الأزرق: فراس الشوفي

 

لا يعدو الخط الأزرق كونه أكثر من خطّ «انسحاب»، يحرم لبنان مساحة كبيرة من أرضه في 13 نقطة حدودية مع فلسطين المحتلّة. «الحلّ» هو التمسّك بخطّ «الهدنة» وبرفض خطّ «هوف» البحري والحفاظ على الموقف اللبناني الموحّد، في ظلّ الضغوط الأميركية وزيارة وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون اليوم لبيروت

بعد 18 عاماً على الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب اللبناني تحت ضربات المقاومة، يجري التعامل مع ما يسمّى بـ«الخطّ الأرزق» أو خطّ الانسحاب من قبل الدول الغربية والأمم المتّحدة وبعض اللبنانيين، وكأن هذا الخط هو خطّ الحدود الفعلي بين لبنان وفلسطين المحتلّة.

وفي غمرة الضغوط الدوليّة على لبنان، لا سيّما الأميركية منها، ومحاولات التقليل من شأن الصراع الحدودي البرّي بين لبنان وكيان العدوّ، ومطالبة لبنان بالخضوع والتنازل عن جزء من حدوده البحرية في المنطقة الاقتصادية الخالصة في الجنوب، ليس أمام اللبنانيين سوى التمسّك بالأرض اللبنانية والدفاع عنها في النقاط التي باتت تعرف بالنقاط «المتحفّظ عليها»، فضلاً عن كامل المساحة البحرية البالغة 860 كلم مربّع في البلوكات الجنوبية، والتي حاول «الوسيط» الأميركي السابق فريديريك هوف، اقتسامها بين لبنان وكيان العدوّ.

مراحل «ترسيم» الحدود

مرّت الحدود البريّة بين لبنان وفلسطين المحتلة منذ ما بعد اتفاقية «سايكس ــ بيكو» الشهيرة، بثلاثة مراحل تاريخية، كان آخرها مرحلة «الخطّ الأزرق»، الذي قضم جزءاً من الأرض اللبنانية لصالح العدوّ الإسرائيلي.

المرحلة الأولى، أو اتفاقية 1923، وهو اتفاق «ترسيم الحدود النهائي» بين الانتدابين الفرنسي والبريطاني، حيث مثل الانتداب الفرنسي المقدّم بوليه (N. PAULET) ومثّل بريطانيا المقدّم نيوكومب (S.F.NEW COMB)، ووقّع الاتفاق في 7 آذار 1923، وتضمّن 38 نقطة فصل بين لبنان وفلسطين، بالإضافة إلى النقطة 39 على الحدود المشتركة اللبنانية ــ السورية ـ الفلسطينية، من رأس الناقورة إلى منطقة الحمّة السورية. وقدّ حدّدت النّطاق بعلامات موصوفة ومرقّمة، وأودع الاتفاق في عصبة الأمم وتمّ التصديق عليه كوثيقة دوليّة في 6 شباط 1924.

المرحلة الثانية للحدود اللبنانية ــ الفلسطينية، فرضها تأسيس الكيان الصهيوني، وحرب العام 1948، التي تلتها اتفاقية هدنة لبنانية ــ «إسرائيلية» بتاريخ 23 آذار 1949، ووقّع وصادق عليها مجلس الأمن. وبموجب المادة الخامسة، شُكلت لجنة عسكرية لبنانية ــ «إسرائيلية» بإشراف الأمم المتّحدة. وبعد اجتماعات مطوّلة للجنة الهدنة، شارك فيها عن الجانب اللبناني المقدّم شهاب، النقيب غانم، النقيب ناصيف، ومن جانب العدوّ الضابطان غوزنسكي وسيجال، تم الاتفاق على رسم الحدود على أساس اتفاق بولييه ونيو كمب (1923)، وعلى أن تتناول الأعمال إعادة وضع إشارات ونقاط الحدود في مكانها، وكذلك وضع إشارات أو نقاط متوسّطة بين النقاط الـ 38 الأساسيّة، وهي من النقطة BP2 (الناقورة) لغاية BP38 (الجسر الروماني على نهر الوزاني).

وفي العام 1961، عقدت لجنة الهدنة اجتماعاً وتمّ الاتفاق على وضع الشارات الـ 38 (سميّت BP)، وتمّ زيادة نقاط وسيطة (سميّت B) وعددها 97، ونقاط مساعدة (سمّيت /BP) وهي ثمانية. وفيما بقي الموقف اللبناني مستنداً لاتفاق بولييه ــ نيوكمب واتفاقية الهدنة، أقرّ العدو بالاتفاقيتين، لكنه تحفّظ على «دقّة» الخرائط لترسيم الحدود.

أمّا المرحلة الثالثة، وهي مرحلة ما بعد الانسحاب في 25 أيار 2000، الذي رُسِّم على أساسه «الخطّ الأزرق». فقد تسلّم الجانب اللبناني خريطة كناية عن صورة جويّة سميّت بخريطة «لارسن» نسبة لتيري رود لارسن المنسق الخاص السابق للأمم المتّحدة لـ«عملية السلام». وقد أجريت عليها دراسة، وتمّ وضع ثلاثة تحفّظات في BP16 الرميش، وBP35 وBP36 وBP37 (مسكفعام) وBP38 وBP39 (المطلّة). ثمّ بتاريخ 23 حزيران 2000، تسلّم لبنان من اليونيفيل، لائحة إحداثيات مؤلّفة من 198 نقطة. إلا أن لبنان تحفّظ على مزارع شبعا والجزء اللبناني من بلدة الغجر.

13 منطقة لبنانية وليس «متحفّظ عليها»

أمّا بعد عدوان تمّوز 2006 على لبنان، فتمّ وضع لائحة مؤلّفة من 584 نقطة، وتمّ قياس 268 نقطة ووضع العلامات عليها، وتم تعليم 247 نقطة. أمّا النقاط الباقية، فهي 178 نقطة، تقع داخل مناطق «متحفّظ عليها»، وهي 13 منطقة. وهذه المناطق الـ 13، لا يعتبرها لبنان «متحفّظ عليها»، بل نقاط لبنانية مئة في المئة استناداً لاتفاقية الهدنة ولاتفاقية بولييه ــ نيوكمب، والتي عمل واضعو «الخطّ الأزرق» على حرمان لبنان منها.

أبرز هذه المناطق هي المتصلة بنقطة رأس الناقورة، التي تعرف بـ B1-BP1، ومساحتها 3341 متر مربع، وهي منطقة مهمّة للغاية، أوّلاً لتأثيرها على مجرى ترسيم الحدود البحرية والمنطقة الاقتصادية الخالصة، ثمّ لأنها تملك امتيازاً جغرافيّاً، يسمح لمن يسيطر عليها بالإشراف النظري على مساحة هائلة من البحر والبرّ الفلسطينيين، بدءاً من شاطئ مستوطنة «روش هانيكرا» الملاصق لرأس الناقورة وصولاً إلى رأس مدينة حيفا المحتلّة. ولا يوفّر ضبّاط العدوّ الإسرائيلي اجتماعاً من اجتماعات اللجنة الثلاثية مع الأمم المتحدة والجيش اللبناني، إلا ويكرّرون مطالبتهم بهذه البقعة، فيما يؤكّد لبنان على لبنانيتها والتمسّك بها. ويؤكّد أكثر من مصدر أن أي تراجع عن هذه النقطة ولو حتى أمتاراً قليلة، يعطي أفضليّة للعدو، جغرافية وحقوقية متعلّقة بالحدود البحرية وترسيم حدود المنطقة الخالصة، التي يشترك في رسمها عوامل أخرى طبعاً. النقطة الثانية هي B10-B11 في علما الشعب، وتبلغ مساحة المنطقة المتأتية عنها 33273 متر مربّع، والنقطة الثالثة في علما الشعب وهي النقطة B13 وتبلغ مساحتها 1415 متر مربّع، والنقطة الرابعة في علما الشعب أيضاً، وتُعرف بـ BP6-BP7 وتبلغ مساحتها 7386 متر مربّع. وتقع النقطة الخامسة في منطقة البستان مقابل بلدة يارين، وتعرف باسم B21-B22، وتبلغ مساحتها 3824 متر مربّع، فيما تقع النقطة السادسة في بلدة مروحين وتعرف باسم BP9 وتبلغ مساحتها 491 متر مربّع. أما في رميش، فتحتل النقطة BP16 الرقم سبعة من النقاط التي يتمسّك بها لبنان، وتبلغ مساحتها 105188 متر مربّع، بينما تبلغ مساحة النقطة الثامنة B47-B50 في يارون ــ مارون الراس 12560 متر مربّع. وتبلغ مساحة النقطة BP28-BP29 في بليدا، 6983 متر مربع، والنقطة B71 في ميس الجبل 793 متر مربع. أمّا النقطة B79-B86 في عديسة فتبلغ مساحتها 144886 متر مربع، والنقطة BP37-B86 في عديسة ــ كفركلا 12734 متر مربّع. وأخيراً، تبلغ مساحة النقطة BP38-BP38/3 في الوزاني 152656 متر مربّع. وبذلك يكون الخط الأزرق قد اقتطع من مساحة لبنان، ما مجموعه 485039 متراً مربّعاً لصالح العدوّ الإسرائيلي.

نعم لخطّ «الهدنة» ولا لخط «هوف»

وفيما يصل اليوم إلى بيروت وزيرالخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، لإكمال ما بدأه نائبه ديفيد ساترفليد من ضغوط على اللبنانيين بغية القبول بالخطّ الذي وضعه هوف في البحر، وتالياً التخلّي عمّا مساحته حوالي 360 كلم مربّع من المنطقة الاقتصادية اللبنانية الخالصة في البلوكات الجنوبية، وتقليل ساترفيلد من شأن الصراع البرّي، بدأ الرئيس سعد الحريري وعدد من الوزراء، بالحديث عن ضرورة القبول بخطّ «هوف» وتلقّف المبادرة الأميركية، «حتى لا نخسر كل شيء وتتوقّف عملية التنقيب في الجنوب». إلّا أن مصادر سياسيّة رفيعة في قوى 8 آذار، أكّدت لـ«الأخبار» أن «الموقف الرسمي اللبناني هو التمسّك بكامل المنطقة البحرية أي 860 كلم مربع، وعدم التنازل عن أي شبر من المساحة البحرية». وقالت المصادر إن «تمسّك لبنان أيضاً بالمساحة البريّة التي اقتطعها الخطّ الأزرق والتمسّك بخطّ الهدنة هو الذي يحافظ على حقوق لبنان في البر». وأكّدت المصادر أن «الموقف اللبناني الموحّد هو ما يمنع العدوّ الإسرائيلي من محاولة قضم الأرض، بينما في حال بدى التمايز واضحاً داخل البيت الواحد، فإن إسرائيل ستعمد إلى استغلال الفرصة وقضم حقوق اللبنانيين في البرّ والبحر».

(الاخبار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى