مقالات مختارة

إسرائيل وإيران للمرة الأولى في مواجهة مباشرة: عاموس هرئيل

 

للمرة الأولى توجد إسرائيل وإيران الآن في مواجهة مباشرة على الأراضي السورية. هذا هو المعنى الأساسي ليوم القتال أمس في الشمال. وكذلك فلو انتهت الجولة الحالية بتهدئة قريبا، فسيتشكل هنا واقع استراتيجي جديد على المدى الأبعد، سيكون على إسرائيل مواجهة مجموعة إشكالية من التطورات: استعداد إيراني للعمل ضدها، ثقة ذاتية متزايدة لدى نظام الأسد، وما يقلق أكثر، دعم روسي للخط المتشدد لباقي أعضاء المحور.

لقد سمحت سبع سنوات من الحرب الأهلية السورية لإسرائيل العمل بحرية كبيرة في سماء الشمال. عندما كان يتم تشخيص تهديد للمصالح الأمنية الإسرائيلية، كان سلاح الجو يعمل تقريبا من دون معوقات. عملت حكومات نتنياهو المتعاقبة على الحفاظ على الخطوط الحمراء التي حددتها (على رأسها منع تهريب سلاح متطور لحزب الله)، ومارست في سوريا سياسة مسؤولة وعقلانية، منعت انزلاق إسرائيل بشكل مبالغ فيه إلى خضم الحرب.

تغيرت الظروف في السنة الأخيرة. إزاء الانتصار التدريجي للنظام في القتال ـ الذي يتركز الآن في العمليات البرية التي يقوم بها الأسد ضد الجيوب المحدودة للمتمردين ـ جددت سوريا محاولاتها إسقاط طائرات إسرائيلية أثناء الهجمات. في الوقت نفسه بدأت إيران بتحقيق مصالحها الخاصة: نشر مليشيات شيعية في جنوب سوريا وممارسة الضغط على النظام لتمكينه من إقامة قاعدة جوية وبحرية. لكن إسرائيل واصلت العمل في الشمال ضمن النمط الهجومي السابق، حتى الوصول إلى الشرك الاستراتيجي الذي وجدت نفسها فيه أمس، الذي من غير المستبعد أن يكون نتيجة لكمين متعمد نصب لها .

ملخص الأحداث: إيران أطلقت طائرة بلا طيار إلى الأراضي الإسرائيلية، وأسقطتها مروحية لسلاح الجو. هاجمت إسرائيل ودمرت ردا على ذلك، قاعدة القيادة التي وجهت منها الطائرة بدون طيار، في القاعدة السورية قرب مدينة تدمر في جنوب الدولة. من المحتمل في هذا الهجوم أن يكون قد قتل، للمرة الأولى، مقاتلون ومستشارون إيرانيون. رد الجيش السوري بإطلاق أكثر من عشرين صاروخا مضادا للطائرات، أحدها كما يبدو أصاب طائرة إف 16 وأجبر طاقمها على القفز منها في سماء الجليل. ردا على ذلك هاجمت إسرائيل 12 هدفا سوريا وإيرانيا في سوريا، في الهجوم الذي وصف بأنه الأوسع منذ 1982 (لم يتم إسقاط أي طائرة بنيران المضادات منذ تلك الحرب).

موضوعيا، سجل سلاح الجو وجهاز الاستخبارات عددا من النجاحات العملياتية: الطائرة الإيرانية من دون طيار تم اعتراضها، رغم أنها ذات أجهزة تحكم غير متطورة وتم اسقاطها في مكان مناسب، مكن من السيطرة على أجزائها. وهو ما سيوفر بعد ذلك دليلا على مسؤولية إيران. الموقع دمر بهجوم مركب.

لكن في زمن الحروب الإعلامية الحالية، سيلقي تدمير الطائرة وإصابة طاقمها بظلاله، فقد سوق في الجانب العربي كانتصار كبير وسبب الاحراج لإسرائيل. سيكون على سلاح الجو التحقيق بعمق في كيفية اختراق صاروخ قديم نسبيا لغلاف الدفاع الإسرائيلي، وسيتم بالتأكيد فحص اعتبارات الطاقم: هل أن الطائرة لم تظل في مكان مرتفع جدا ومكشوفة، من أجل متابعة إصابة الصاروخ للهدف في سوريا، في الوقت الذي تمكنت فيه الطائرات الأخرى من التشكيلة من التملص؟.

استغلت إيران الحادثة لتعلن أنه منذ الآن لن تستطيع إسرائيل العمل في سوريا. أما الإعلان المقلق أكثر، فقد قدمته روسيا، التي استضافت في نهاية كانون الثاني رئيس الحكومة نتنياهو، عندما أعلنت أن على إسرائيل احترام السيادة السورية ـ وتجاهلت تماما إطلاق الطائرة الإيرانية بدون طيار نحو أراضيها.

من شأن تبادل اللكمات هذا أن يستمر الآن، أيضا لاعتبارات الكرامة الوطنية والحرج الجماهيري. في ظروف مشابهة تماما، في كانون الثاني/يناير 2015، عرف نتنياهو كيف ينهي الأمر. اتهمت إسرائيل وقتها بالتعرض لحياة جنرال إيراني نشيط في حزب الله، جهاد مغنية، ابن رئيس أركان المنظمة الذي تمت تصفيته، في هضبة الجولان. رد حزب الله بعد عشرة أيام بكمين صاروخي مضاد للدبابات، قُتل فيه ضابط وجندي من الجيش الإسرائيلي في (هار دوف). لكن إسرائيل قررت أن هذا يكفي وامتنعت عن رد انتقامي آخر، ومرّ خطر الحرب. الآن أيضا يبدو أن ثمة ما يمكن القيام به في القناة السياسية ـ مثلا من خلال نقل تهديدات بواسطة الولايات المتحدة وروسيا، قبل مواصلة الانزلاق الخطير نحو مواجهة عسكرية.

شأن إيراني

على خلفية النقاش في إسرائيل، يبرز كالعادة سؤال ما العلاقة بين التصعيد الأمني والتحقيقات مع رئيس الحكومة؟. في الأسبوع القادم يتوقع طرح توصيات الشرطة في ما يخص تقديم نتنياهو للمحاكمة، وامتلأت أمس الشبكات الاجتماعية بتوقعات المغردين والمراسلين والنشطاء السياسيين الذين قالوا إن كل هذه التوترات هي مؤامرة من إنتاج مقر رئيس الحكومة، هدفت إلى حرف أنظار الرأي العام عن الشؤون المهمة. وكل من لا يتفق مع هذه التفسيرات يتم تصنيفه حالا كمتعاون مع نتنياهو وعائلته، رغم أنه لم يفهم حقا من تلك التحليلات إذا كانت إيران مشاركة في المؤامرة بقرار إطلاق الطائرة بدون طيار.

ليس بالإمكان تجاهل دور الاعتبارات السياسية والشخصية في القرارات السياسية والأمنية. تدخلت هذه الاعتبارات في قرارات مناحيم بيغن الحاسمة بشأن قصف المفاعل العراقي، وقرارات آرييل شارون بشأن الانفصال عن غزة، وقرارات إيهود أولمرت بشأن شن العملية البرية الفاشلة في بداية حرب لبنان الثانية، وقرارات نتنياهو نفسه عندما انجر إلى العمليات الأخيرة في غزة، عامود السحاب والجرف الصامد، في ظل انتقادات داخلية.

لكن مثلما سبق وطرح هنا الاتهام بأن نتنياهو، الذي في الغالب كان حذرا من الحروب كما يحذر النار، يقوم بتسخين الحدود بصورة متعمدة، فإن هذا الاتهام يحتاج إلى إثبات أكثر من الحدس. التقدير أن رئيس الأركان غادي آيزنكوت، أحد العقلانيين والحذرين من بين موظفي الدولة في إسرائيل، سيكون شريكا في مناورة سياسية فاسدة كهذه، يبدو تقديرا مدحوضا لكل من يعرفه. بالمناسبة، في النقاشات صباح يوم السبت اتخذ الجيش خطا صقوريا.

لا يوضح الجيش الإسرائيلي في هذه المرحلة ماذا كانت الطائرة الإيرانية بدون طيار تنوي أن تعمل في سماء إسرائيل. يبدو أن النية كانت إنهاء مهمة والعودة، من دون أن يتم كشفها. العملية الإيرانية تبين أن طهران لا تكتفي بتقديم المساعدة للأسد أو ضمان ميناء على شاطئ البحر المتوسط. هي ترى في انتصار النظام فرصة لإيجاد مواجهة فعلية على طول الحدود مع إسرائيل. لم يظهر الجيش الإسرائيلي في هجماته أمس حتى ولو شيئا بسيطا من قدراته الاستخبارية والجوية، وحتى الآن من الأفضل ألا يكون مضطرا لذلك.

ما يقلق بشكل خاص هو حقيقة أنه الآن لا تلوح في الأفق شخصية «البالغ المسؤول» في المجتمع الدولي، بحيث يتدخل من أجل كبح الأطراف. ويبدو أن روسيا التي تستقبل نتنياهو في سوتشي وموسكو مرة كل بضعة أشهر، تتوافق تماما مع إيران وسوريا، وكذلك في عملياتهما ضد إسرائيل. في حين أن الإدارة الأمريكية برئاسة ترامب، من شأنها أن ترى في التصعيد في الشمال فرصة لجباية ثمن من إيران، وبالتحديد حث إسرائيل على مواصلة تشددها. ربما نحن الآن في بداية أزمة عميقة، حتى لو لم تترجم بالضرورة إلى مواجهة عسكرية في الوقت القريب.

هآرتس

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى