متى ستنشب الحرب القادمة؟ يعقوب عميدرور
وقتها، كانت الاستخبارات العسكرية «أمان» مسؤولة عن إصدار الإخطار بالحرب. وبعد الفشل الاستخباري عشية حرب يوم الغفران عام 1973، تم تطوير مفهوم مركب من «المؤشرات الدالة»، غايتها السماح لوحدات جمع المعلومات بتركيز الجهد، وللبحث الاستخباري للمتابعة الدقيقة للعملية التي تشير إلى إعداد ملموس للحرب .
ومن اللحظة التي لم تعد فيها إسرائيل تتصدى لدول بل لمنظمات أيضا، أصبحت مسألة الإخطار قبيل حملة كبرى أكثر تعقيدا. إذ يدور الحديث عن قتال مصدره موجود في عملية القرارات لمنظمة لا تسيطر تماما على الوضع ولا على نتائج أفعالها. هكذا، مثلا، قال حسن نصرالله بعد ما سمُي بحرب لبنان الثانية عام 2006، من أنه لو كان يعرف أن اختطاف جنود إسرائيليين كان سيؤدي إلى حملة كبرى كهذه، لما كان بادر بالاختطاف. وكذلك شأن الحملة الأخيرة في غزة «الجرف الصامد 2014»، تدحرجت من رد إسرائيلي على قتل ثلاثة فتيان اختطفوا في الضفة، خلال مسيرة تدهور لم يتحكم بها الطرفان. وحتى الجزء البري من عمل الجيش الإسرائيلي في الحملة، والدخول إلى أطراف القطاع لغرض ضرب الأنفاق، لم يخطط مسبقا بل تدحرج كرد على الأحداث في الميدان.
وحسب منشورات مختلفة، فقد هاجم سلاح الجو سوريا أكثر من مئة مرة من دون رد حقيقي. فهل تثبت هذه التجربة بأنه لن يكون ثمة رد سوري أو رد من حزب الله على الهجوم القادم؟ بالتأكيد لا. لذا من الواضح أنه إن لم يكن الحديث يدور عن مؤشرات دالة على إعداد لعملية كبرى من جانب العدو، فلا يكاد يكون هناك سبيل لتوقع اللحظة التي يقرر فيها الطرف الآخر المبادرة بالقتال، وبالتأكيد ليس قبل بضعة أشهر مسبقا. وذلك لأنه في موازين القوى الحالية بين إسرائيل وخصومها من الشمال وفي الجنوب واضح (ولهم أيضا) بأنهم سيدفعون ثمنا باهظا للغاية، وينبغي أن تكون لهم أسباب وجيهة جدا لاتخاذ مثل هذه الخطوة.
يبدو منطقيا أنه فقط حين يشعر الطرف الآخر بأن لديه قدرة ما ناضجة، ويصعب على إسرائيل التصدي لها، فمن المجدي له أن يفكر بالانطلاق إلى المعركة. وعليه، الآن بالذات، حين تعمل إسرائيل على توفير جواب أفضل عن تهديد الأنفاق، في حين أن حماس لم تجد العلاج السحري لقدرة إسرائيل على اعتراض صواريخها، فلا منطق في بدئها للمعركة. فهل ستنجح بانتاج قدرات لضرب إسرائيل من الجو أم من البحر؟ لا أدري ما الجواب الصحيح، لكن بتقديري ليس لدى حماس أي وسيلة تحطم التعادل في هذه المجالات، ولذا يبدو أنها ستمتنع عن الحملة.
هل ستخرج حماس إلى حملة من دون قدرات جديدة، فقط بسبب تدهور الوضع الاقتصادي في القطاع؟ لا يبدو ذلك منطقيا، إذ لا توجد على ما يبدو أي حالة هاجمت فيها منظمة ما، إسرائيل بسبب وضع اقتصادي صعب، وعليه لماذا ستكون هذه المرة مختلفة؟ وماذا ستكسب حماس من تدمير آخر في غزة وإصابة شديدة لرجالها وبنيتها التحتية بعد الحملة؟ هل سيكون الوضع الاقتصادي بعدها أفضل؟ بالتأكيد لا. يحتمل أن ينشأ تبادل شديد لإطلاق النار، بل وحملة في غزة، لكن أكثر مما سيساهم الوضع الاقتصادي الصعب في ذلك، ستكون هذه على ما يبدو نتيجة خطأ أو عدم تحكم لدى أحد الطرفين أو كليهما.
لدى إسرائيل أسباب وجيهة لمنع الأزمة الإنسانية في القطاع، لا لأن الأزمة قد تؤدي إلى مبادرة حماس بحملة، بل لأنه من غير الجيد أن تكون أزمة كهذه في أوساط جيراننا الأقربين، ومن أجل منع تحميل إسرائيل الذنب في الأزمة، ففي العالم سيجدونها مذنبة، رغم أن حماس وأبو مازن مذنبان في ذلك أكثر منها بكثير. وتاليا، يبدو أن على إسرائيل أن تدفع للأمام بمساعدة تخفف الأزمة في غزة، رغم أن قدرتها على إنجاز تحسين للوضع – حين تعطي حماس أولوية تامة لبناء قوتها العسكرية ولا حل الأزمة الإنسانية – قليلة للغاية، بل قريبة من الصفر. وحتى الجزيرة الاصطناعية لن تغير هذا بشكل جذري. كما ينبغي الأخذ بالحسبان أن القتال سيُستأنف حين ترغب حماس بذلك أو حين يصير تدهور لا يتم التحكم به، سواء تحسن الوضع الاقتصادي أم لا.
إسرائيل اليوم