الحروب الأميركية الدائمة
غالب قنديل
بعد عشرين عاما من الهيمنة الأميركية الأحادية يقبع العالم منذ حوالي عشرين عاما في أسر الحروب الأميركية المتجددة التي يصاحبها انفلاش القوات الأميركية الخاصة في مئة وسبع وخمسين دولة في القارات الخمس وعبر المحيطات التي تجوبها الأساطيل الأميركية وتقيم على سواحلها قواعد دائمة لقوات المارينز وللصيانة والخدمات اللوجستية.
ينتشر في تلك الدول عملاء سياسيون واستخباراتيون عبر شبكات للهيمنة على القرار السياسي ولإدارة حروب لفرض الخضوع للهيمنة الأميركية وإسكات المعترضين بشتى الوسائل السرية والعلنية بما فيها خطط القتل والاغتيال التي تصدر قيادة مجمع الجيوش والاستخبارات الأميركية اوامر يومية بتنفيذها في جميع انحاء العالم بواسطة العملاء السريين والجماعات الإرهابية وطائرات الدرونز.
الإمبراطورية التي عاشت نشوة الهيمنة الأحادية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي واحكمت قبضتها على العالم وعلى الأمم المتحدة لعشرين عاما سبقت بدأت تعيش مع العشرين الثانية قلق المنافسة وخطر التحدي منذ حربيها الفاشلتين في العراق وأفغانستان وقد تم تطويرهما إلى حلقة من استراتيجية الحروب الدائمة باستثمار متقن لدمى الإرهاب والتكفير المنبثقة من سلالة القاعدة قبل أربعين عاما والمطورة في بيئة التنظيم العالمي للأخوان المسلمين .
القوات الأميركية المنتشرة على اليابسة ووحدات الأساطيل التي تطوف المحيطات تضع أهدافا واضحة وهي تطويق جميع البلدان المصنفة كمصدر تهديد للهيمنة الأميركية الأحادية على العالم ووضع خطط للتحرش بها ولغزوها عند الاضطرار وهذا هو مضمون استراتيجية البنتاغون التي اعتمدها دونالد ترامب ومضمون استراتيجية الأمن القومي التي أصدرها كذلك وهما نتاج المؤسسة الحاكمة التي تصنع القرار في واشنطن بعدما انجزت احتواء الرئيس وأخضعته لاستراتيجيتها فقطعت الطريق على تبشيره بفرص التعاون مع روسيا بتهمة جاهزة ومعلقة قيد التحقيق عن ارتكازه على دعم روسي لانتخابه رئيسا.
القوة العسكرية الروسية الصاعدة أفشلت وفضحت التلاعب الأميركي بالعالم تحت عنوان محاربة الإرهاب وقدمت من سورية نموذجا متفوقا سياسيا واخلاقيا وميدانيا باحترام القوانين الدولية والطرق الدستورية الشرعية وبآلة عسكرية حديثة تقنيا تثير الفزع من فعلها في حوزة الجيش العربي السوري واحتمال انتقالها إلى حليفه حزب الله وهذا يفسر السعار الأميركي الصهيوني المتصاعد ضد إيران وسورية وحزب الله وتهديدات نتنياهو وجنرالاته بالحرب بعد الهزيمة في سورية.
تتمادى الصلافة الأميركية في استفزاز روسيا ليس فحسب بالمزيد من العقوبات بل كذلك من خلال مواصلة نشر القوات العسكرية في مناطق كانت تقليديا واعتبرت تاريخيا ولقرون بوصفها الفناءات الروسية الخلفية في اوروبا الشرقية وحوضي البلطيق والبحر الأسود وهنا ذروة الاستفزاز والعجرفة الأميركية التي تقف على حافة هاوية الصدام الجوي او البحري الذي كاد يقع عدة مرات في العام الماضي.
اما الزحف التجاري الصيني في جميع انحاء العالم فيثير رعبا اميركيا متأصلا من المنافسة على الأسواق والموارد ويقرأ القادة الأميركيون في كل تطور للقوة الروسية والإيرانية الاقتصادية او العسكرية وفي كل مبادرة كورية تضاعف التحدي تحفيزا صينيا.
تمثل منطقتنا ميدان الصراع الرئيسي بعدما تبلورت من سورية وتماسكت جبهة الثلاثي الشرقي روسيا وإيران والصين الذي أثبت صلابته وأسقط الرهانات الأميركية على دق الأسافين بين أضلاعه المتلاصقة والمتلاحمة في معركة دفاع ووجود ضد الهيمنة الأميركية والصلف الأميركي السياسي والعسكري.
الحروب الدائمة هي وصية المحافظين الجدد الذين يمسك جناحهم العسكري النظامي بمفاصل القرار الأميركي عبر مجلس الحكم الذي يصيغ القرارات وحيث بات الرئيس ترامب ناطقا بلسان مجلس الجنرالات يطوي آراءه الشخصية السابقة وخطابه الانتخابي في خدمة تعليمات البنتاغون والمجمع العسكري الاستخباراتي المتضخم الذي جدد حرب أفغانستان لتهديد روسيا والصين وإيران وباكستان بضربة واحدة وهو استرجع تفعيل وجوده في العراق بينما يتمسك باحتلاله لمناطق سورية بعدما تكفلت سورية وروسيا وإيران وحزب الله بالقضاء على داعش ويراهن الجنرالات على مزيد من الانتشار على الممرات والمضائق البحرية حول أفريقيا ويسعى البنتاغون لتدارك خسائره في الباسيفيك حيث تقدم الاحتواء الصيني البارد لخطط واشنطن الآسيوية .
من الخرافة توهم توافقات أميركية روسية او الكلام عن تسويات محتملة فكل الملفات العالمية هي ميادين مواجهة ووجوه متعددة لحرب عالمية دائمة ومستمرة تحرص الولايات المتحدة على خفض كلفتها عليها من خلال تشغيل الوكلاء وعبر القتال بواسطة قوات عميلة تدعمها من الخلف وتمدها بالسلاح والمال وهي تشغل منظومة الحكومات التابعة في كل مكان لتوفير الموارد عملا بقاعدة دونالد ترامب :” إدفعوا لنا ثمن الحماية والدفاع عن مصالحكم ” وغم ذلك فقد باتت الإمبراطورية الأميركية داخل حلقة استنزاف ستنقلب عليها مع تصميم الدول العظمى المنافسة والحكومات المتمردة على العمل بمقولة لينينة معروفة استحضرها الرئيس بوتين مؤخرا في رده على العقوبات الأميركية الجديدة التي أسف لكونها لم تشمله شخصيا مع رفاقه : الكلاب تنبح والقافلة تسير.