الاعتداء على أمن الدولة والحصانة النيابية المحامي سليم جريصاتي
ينص قانون العقوبات في المواد 270 وما يتبعها منه، على الجرائم الواقعة على أمن الدولة الخارجي والداخلي، علما بأن النظر في بعض هذه الجرائم يعود الى المحكمة العسكرية عملا بالمادة 24 من قانون العقوبات العسكري. يقع في تعداد هذه الجرائم الموصوفة عناصرها والمحددة عقوباتها في المواد اعلاه، الخيانة والنيل من هيبة الدولة والشعور القومي وشلّ الدفاع الوطني والفتنة عن طريق اثارة الحرب الاهلية او الاقتتال الطائفي والنيل من الوحدة الوطنية او تعكير الصفاء بين عناصر الأمّة. ان هذه الجريمة الاخيرة تتأتى عن كل عمل وكل مخطوط وكل خطاب ينتج عنه اثارة النعرات المذهبية او العنصرية او الحض على النزاع بين الطوائف ومختلف عناصر الامّة، وتصل عقوبتها الى الحبس من سنة الى ثلاث سنوات، فضلا عن المنع من بعض الحقوق المدنية (من دون ان يشمل هذا المنع الحق في ان يكون المجرد من حقوقه المدنية ناخبا او منتخبا في جميع مجالس الدولة).
اضافة الى ذلك، تنص المادة 157 من قانون القضاء العسكري على ان يعاقب بالسجن من 3 اشهر الى 3 سنوات كل من يقدم على تحقير الجيش او المس بكرامته وسمعته او معنوياته او اضعاف النظام العسكري فيه او الطاعة الهرمية، على ان يقضى بالحد الاقصى للعقوبة اذا حصل الجرم في اثناء الحرب.
من اللافت ان النصوص الجزائية اعلاه، في معظمها، تشدد على عبارتي “كل لبناني” او “كل من اقدم على…” ما يفيد بالشمولية وانتفاء الاستثناء.
فما يكون عليه الامر في حال كان هذا اللبناني نائبا في البرلمان اللبناني، وهو يثير باستمرار، في تصاريح له علنية ومنقولة اعلاميا، ما من شأنه ان تتوافر معه العناصر الجرمية للأفعال اعلاه؟
تشتمل الحصانة النيابية(immunité parlementaire)على امتيازين يخرقان القانون العادي والمطبق على سائر المواطنين، وهما امتيازان يناهضان مبدأ المساواة امام القانون، ومنصوص عنهما في المادتين 39 (اللامسؤولية /irresponsabilité) و40 (الحرمة الشخصية / inviolabilité) من الدستور.
ان الامتياز الاول يعني الحصانة عن الدعاوى الجزائية للنائب بسبب الآراء والافكار التي يبديها مدة نيابته، والثاني عن الاجراءات الجزائية، التي لا يجوز الاقدام عليها، في اثناء انعقاد المجلس في دور عادي او استثنائي، ضد اي نائب، بما فيه القاء القبض عليه اذا اقترف جرما جزائيا، الا بإذن المجلس، ما عدا حالة الجرم المشهود.
يبقى سؤالان قيد الطرح:
1 – هل ان اقتراف اي من الجرائم اعلاه بالشكل الموصوف يعتبر من قبيل الآراء والافكار التي يبديها النائب حال نيابته؟
قطعا لا، لأنه لا صلة على الاطلاق بين مهمة النائب وبين الجرم الحاصل، بل على العكس ان النائب الذي يمثل الأمة جمعاء يجب ان يكون الأحرص على الصفاء بين عناصر الأمة وعلى منعة الجيش اللبناني.
2 – هل تعتبر التصاريح الجرمية اعلاه جرما مشهودا يعفي من اذن مجلس النواب لمباشرة الاجراءات الجزائية بحق هذا النائب؟
قطعا نعم، اذ سبق لمجلس النواب في 13 تشرين الاول 1945 واثر مناقشات قانونية بالغة الدقة بموضوع جرم مشهود من النوع العادي ارتكبه احد النواب، ان اقر بالاجماع رفع الحصانة عن النائب المتهم، مع ابداء الرأي من اكثرية النواب الذين اشتركوا في المناقشات، بأنه لم يكن لطلب الاذن من ضرورة، طالما ان الجرم كان مشهودا، وان النيابة العامة انما طلبت الاذن من قبيل المجاملة فقط.
اما في عهد الرئيس الراحل كميل شمعون، فلقد اعتبر حكم لمحكمة المطبوعات في بيروت تاريخ 3 تشرين الثاني 1956 (ن ق، 1957، ص 61) ان كتابة مقال في جريدة انما يؤلف جرما مشهودا اذا ما توافرت فيه عناصر جرمية.
من المفيد الاشارة الى ان مجلس النواب ليس راهنا في دور عادي او استثنائي.
الوقت قطعا ليس للمجاملة يا خالد!
■ وزير سابق
عضو “تكتّل التغيير والاصلاح“