غياب المبادرة السياسية الإسرائيلية يزيد احتمال انفجار الصراع الدموي: نداف ايال
في خطاب أبي مازن الهاذي ينزل عن منصة التأريخ. فمعظم المنشغلين بالساحة الفلسطينية، في جهاز الأمن وخارجه، سيحكمون على أبي مازن نفسه بالترجيح لمصلحته. فقد أراد اتفاقًا، أقام وحفظ قوة أعادت الأمن للضفة الغربية، ولم يهجر في أية مرحلة من المراحل ـ حتى ليلة أمس الأول ـ طريق المفاوضات. وحسب هذا النهج، كان خطابه أمس علامة يأس وإحباط عميقين؛ محاولة أخيرة للدفاع عن السلطة الفلسطينية من اتهامها بأن تقصيراتها جلبت الإخفاق الفلسطيني في الولايات المتحدة وفي الساحة الدُّولية. أما منتقدو هذا النهج فسيقولون العكس: أبو مازن كشف فقط عن وجهه الحقيقي. فهو لم يرغب أبدا في اتفاق سلام، لم يكن مستعدا للسلام لدفع أي ثمن؛ خطابه كان الحقيقة الفظيعة لشخصيته التأريخية .
الجدال مهم، ولكن الأهم هو السؤال ماذا الآن. العالم لم يعد يهتم حقا بالقضية الفلسطينية، العرب مشغولون بمشاكلهم، وعلى رأسها صعود إيران، الأمم المتحدة غير ناجعة، في البيت الأبيض يجلس رئيس اعترف بالقدس عاصمة إسرائيل من دون أن يطلب شيئا بالمقابل من أصحاب القرار الإسرائيليين. إسرائيل انتصرت. ومرة أخرى، ماذا الآن؟
لمركز الليكود كان جواب: الضم. بينيت والبيت اليهودي أيضا يريدان ضم مناطق ج. إضافة إلى ذلك، إذا ماتت مسيرة أوسلو فلا يوجد سبب حقيقي لوجود السلطة الفلسطينية؛ على إسرائيل أن تعترف بإمكانية ان تكون مطالبة بأخذ السيطرة الكاملة في الضفة، بما في ذلك التعليم وحفظ النظام وإخلاء القمامة. في جهاز الأمن قلقون جدا من الوضع الإنساني المتدهور في غزة. والتهديد الأمني الذي يحدق منها أكبر حتى من نفق آخر. إسرائيل الرسمية تحذر المرة تلو الأخرى من مصيبة إنسانية في القطاع لأنها لا تريد أن تُلقى المسؤولية عن الوضع عليها مرة اخرى.
وها هو الوضع: في الواقع الإسرائيلي يوجد نوعان من الحلول الممكنة بالنسبة للضفة الغربية وغزة. الأول هو جملة اقتراحات بالضم. الحل الثاني هو الفصل ـ وفي ضوء خطاب أبي مازن، وبشكل عام الجمود في المفاوضات ـ فصل أحادي الجانب.
للفصل أحادي الجانب يوجد تأييد قليل بين الجمهور الإسرائيلي؛ من جهة أخرى الضم هو الآخر ليس شعبيًا في الجمهور العام حاليًا. مؤيدو الضم لا يعرفون مثلا ماذا يفعلون بالفلسطينيين بالضبط؛ اقتراحاتهم تتحرك بين الخطير (إعطاؤهم حق التصويت والتنازل عن الأغلبية اليهودية لدولة إسرائيل) والأخطر من ذلك (عدم إعطائهم حق التصويت وبذلك تأسيس دولة ابرتهايد رسميا). وفي الغالب يتصدون لهذه المخاطر من خلال التوجه إلى علم خيالي ما. بالأساس ليس في خططهم أي موقف من الفلسطينيين كبشر حقيقيين، ذوي تطلعات ورغبة في الحرية الوطنية والشخصية؛ هذه نقيصة كبرى في نظريات الضم. المفاوضات بيننا وبين أنفسنا بالعبرية سهلة جدا ـ والدليل، كل ما ينبغي عمله هو عقد مركز الليكود.
كالمعتاد في عصر نتنياهو، المشكلة هي انه لا توجد خطة أو أي مبادرة سياسية إسرائيلية. رئيس الوزراء من حقه أن يعزو لنفسه النصر على السلطة الفلسطينية. الموضوع هو انه لم يعرفها أبدا حقا كعدو او أراد سقوطه. بل العكس عانق عرفات، وعد ألا يلغي اتفاق أوسلو، أعلن أنه ملتزم بإقامة دولة فلسطينية.
تعالوا نفترض ـ افتراضا مادحا على نحو عجيب ـ بأن كل شيء كان خدعة واحدة كبرى. في واقع الأمر، في عبقريته، أعد بيبي برنامج النصر الإسرائيلي الفاخر الذي تتبدد بعده الحركة الوطنية العلمانية الفلسطينية. لنفترض أنه يستحق هذه الحظوة. وبالتالي في إطار الخطة الدقيقة هذه ـ ماذا الآن؟
يوجد هنا افتراض ضمني بأن شيئا ما يجب أن يعمل، ويجب ان يتحقق تغيير ما. لا وكلا. سيقول مؤيدو الاجماع، ببساطة نبقى هكذا، نبني في بلاد إسرائيل ونبنى فيها. وماذا سيكون مع ملايين الفلسطينيين؟ لا جواب. ربما صلاة صامتة ما لنكبة نهايتها الله يحفظنا ـ وليس لهم فقط.
الناس الذين ليس لهم ما يخسرونه خطيرون. خطيرون لأنفسهم ـ خطاب أبي مازن مس به أساسا ـ ولكن للآخرين أيضا. حتى لو كانت إسرائيل تريد استمرار الاحتلال في يهودا والسامرة إلى الأبد، فإن التكتيك الفهيم يتضمن أملا ما للأغلبية الساحقة من الفلسطينيين الذين يسكنون هناك. مثل هذا الأمل آخذ في الاختفاء، والخطر بانفجار نزاع دموي واسع يزداد.
يديعوت