الجيش السوري يواصل الحصاد: صهيب عنجريني
يستمرّ الجيش السوري وحلفاؤه في التقدم على دروب عدّة، تقود جميعُها إلى مطار أبو الضهور العسكري، من دون تأثير جوهري لاستنفار المجموعات المسلّحة على الهدف المنشود. ويحظى أبو الضهور بفرصة كبيرة ليكون بوابةً عريضة قد تقود لاحقاً إلى منعطفات شديدة الأهمية عسكريّاً وسياسياً. ورغم الضجيج التركي حول مستقبل «أستانا» وربطه بـ«سوتشي»، فإنّ أنقرة قد تجد نفسها محكومةً بتقديم تنازلاتٍ بفعل ضغوط «الشبح الكردي »
يوشك الجيش السوري على إطباق أوّل أطواق معركة إدلب، في خطوة يُنتظر أن تُعزّز زخم عملياته على أبواب مطار أبو الضهور العسكري. وتأخذ المعارك في أرياف حلب وحماة وإدلب شكل معارك كسر عظم، يتداخل فيها العسكري بالسياسي. وتكتسب موقعة أبو الضهور المُنتظرة أهميّة خاصّة على الصعيدين المذكورين، ولا سيّما أنّ اتفاقيّات «خفض التصعيد» التي يوفّرها مسار أستانا ليست مفتوحةً، بل تحتاج إلى تجديدها في موعد أقصاه شهر آذار المقبل.
ورغم أنّ الاتفاقية المذكورة تبدو في حالة تجميد على جبهاتٍ عدّة، ورغم تبادل الاتهامات بخرقها، فإنّ أحداً من الأطراف لا يبدو مستعدّاً لنعيها بشكل رسمي بعد. وتشير معلومات «الأخبار» إلى محادثات مفتوحة على خط «أنقرة، موسكو، دمشق» استمرّت في أعقاب المكالمة الهاتفية بين الرئيسين فلايمير بوتين، ورجب طيب أردوغان قبل أيام، وتتمحور حول أستانا و«مؤتمر سوتشي» الموعود والملفّات المتداخلة بينهما. ويفرض التعتيم المحيط بتفاصيل توافقات أستانا نفسه على كثير من تفاصيل المعارك الدائرة، ويترك أسئلة كثيرة بلا إجابات واضحة، على رأسها «ما هي المعارك التي تدور تحت سقف أستانا؟ وما هي المعارك التي خرقت السقف؟». لكن مصدراً دبلوماسيّاً سوريّاً تحدثت إليه «الأخبار» يرفض السؤال بصيغته السابقة، ويقول إنّ «الجيش السوري لا يعترف بسقوف عندما يتعلق الأمر بمحاربة الإرهاب». ويؤكد أنّ «التنسيق مع الحليف الروسي مستمر على مدار الساعة في كل الملفات العسكرية والسياسية، وليس مرتبطاً بالضرورة بمكالمة الرئيس بوتين مع (الرئيس) أردوغان». وكانت أنقرة قد راقبت بصمت انطلاقة العملية الأخيرة للجيش وحلفائه، قبل أن تستنفر سياسياً وعسكريّاً مع التقدم السريع الذي حققته العمليات. ولا تزال المخاطر «الكرديّة» تلقي بظلالها على حسابات أنقرة، وتجعل استمرار التنسيق مع موسكو الخيار الأمثل لها. وجاء إعلان واشنطن أمس عن «تشكيل قوة أمنية جديدة» تابعة لـ«التحالف» ومرتبطة بـ«قسد» ليصبَ الزيت على نار مخاوف أنقرة من الشبح الكردي. وفي انتظار تبلور ردود الفعل على الإعلان الأميركي، لا يبدو مستبعداً أن تفرمل أنقرة اندفاعتها الأخيرة في إدلب وتسعى إلى تنسيق تحرّك عاجل مع موسكو في هذا الشأن.
وفي مقابل ضبابية صورة ما يدور وراء أبواب السياسية، تبدو صورة الميدان شديدة الوضوح. وعلى الرغم من «الاستنفار» الشامل الذي أعلنته المجموعات المسلّحة في خلال الأسبوع الأخير، فإنّ تقدّم الجيش وحلفائه في ريف حلب الجنوبي الغربي استمرّ بوتيرةٍ عالية، وضاقت المسافةُ التي تفصل القوّات المتقدمة عبر هذا المحور عن نظيرتها المتمركزة في أبو الجورة، انطلاقاً من سنجار (ريف حماة الشمالي الشرقي) إلى كيلومترين اثنين فقط. وبعيداً عن الضجيج الإعلامي الذي تزايد في اليومين الماضيين حول نجاح «المعارضة المسلّحة» في صدّ التقدّم، تؤكّد لغة الخرائط أنّ كفّة الجيش وحلفائه لا تزال راجحةً بقوّة، وأنّ المكاسب التي حُصّلت مع انطلاقة العمليّات الأخيرة (قبل أقلّ من أسبوع) على محور «سنجار ــ أبو الضهور» حُصّنت بتثبيتٍ سريع. ويمكن القول إنّ ثمار «الاستنفار المُعارض» حتى الآن اقتصرت على إبعاد شبح الاقتحام عن مطار أبو الضهور، الأمر الذي لا يُتوقّع أن يدوم أكثر من أيّام معدودة. وبدا لافتاً أنّ انخراط معظم المجموعات المسلّحة في إدلب وحماة في المعارك الأخيرة لم يؤثّر على حملة التخوين المستمرّة لـ«جبهة فتح الشّام/ النصرة» وزعيمها أبو محمد الجولاني. وحرص كثير من المصادر المعارضة على تحميل «النصرة» مسؤولية الانهيار الذي مُنيت به المجموعات المسلّحة في جبل الحص ومحيطه (ريف حلب الجنوبي)، على الرغم من أنّ مسؤولية الدفاع عن تلك المناطق لم تكن مسؤوليّة «النصرة» وحدها، بل تُشاركها في ذلك مجموعات تابعة لـ«جيش الأحرار» ومجموعات محليّة محسوبة على «الجيش الحر». وعلى نحو مماثل، بدا لافتاً أنّ عدداً من وسائل الإعلام المعارضة تجنّب الإشارة إلى دور «النصرة» في تشكيل غرفة عمليّات «وإنّ الله على نصرهم لقدير».
وتضمّ الغرفة المذكورة كلّاً من «جبهة النصرة، الحزب الإسلامي التركستاني، جيش العزّة، جيش الأحرار وحركة نور الدين زنكي»، إضافة إلى مجموعات محليّة تابعة لـ«حركة أحرار الشام الإسلاميّة». واستُبق تشكيلُ غرفة العمليّات بتوجيهاتٍ «شرعيّة» من تنظيم «القاعدة» الذي أصدر بياناً خاصّاً في هذا الشأن («الأخبار»، العدد 3365) . وكان «الحزب الإسلامي التركستاني» ومعه معظم مجموعات الغرفة (باستثناء الزنكي) قد رفضوا الانضمام إلى المعركة أوّل الأمر، قبل أن تصدر التوجيهات «القاعديّة». وتؤكّد مصادر «جهاديّة» لـ«الأخبار» أنّ تأخّر «التركستاني» عن دخول المعركة جاء على خلفيّة خلافات مُستفحلة بينه وبين «النصرة» وقد تفاقمت بعد كلمة زعيم «القاعدة» أيمن الظواهري التي وبّخ فيها الجولاني.
يتداخل في معارك «كسر العظم» العسكري بالسياسي
ورغم الهيمنة التركيّة الكبيرة على «الحزب الإسلامي»، فإنّ الكلمة الفصل لمشاركته في المعارك كانت من نصيب التوجيه «الشرعي». وعلى مقلب آخر، جاء تشكيل «غرفة عمليّات رد الطغيان» مضبوطاً على إيقاع تركي خالص. ويشارك في الغرفة «فيلق الشام، جيش النصر، جيش إدلب الحر، جيش النخبة والجيش الثاني». وجاء تشكيلها بمثابة اختبار أوّل لهذه المجموعات في القتال وفق «منهجيّة» جديدة تتوخّى الفصل بين «الجهاديين» وغيرهم من المسلّحين. ويتركّز اهتمام هذه الغرفة على جبهات ريف حماة الشمالي الشرقي بالدرجة الأولى. ولم يتخلّف تنظيم «داعش» عن الدخول على خط معارك محيط أبو الضهور، وحرصت وكالة «أعماق» على بث أنباء عدّة عن قيام مقاتلي التنظيم المتطرف بعمليّات خاطفة. ورغم وجود جيبٍ محسوب على التنظيم شمال السعن (ريف حماة الشرقي)، فإنّ تسلل عناصره إلى مقربة من أبو الضهور يتطلّب قطعهم مسافة عشرين كيلومتراً على الأقل، عبر مناطق سيطرة المجموعات المسلّحة أو عبر مناطق سيطرة الجيش.
(الاخبار)