مقالات مختارة

الجميع يُغضبون اردوغان: تسفي برئيل

 

المياه الباردة التي سكبت على عبد الله غول، الرئيس التركي السابق، من وريثه رجب طيب اردوغان كانت متوقعة. ولكن من المثير رؤية إلى أي مستوى ينجح اردوغان في شد حدود طلقاته السامة. الاختلاف بين الاثنين ليس جديدا. فقد جرت بينهما مواجهات علنية، لكن في هذه المرة داس غول على جرح مؤلم يمس ما يعتبره اردوغان حرب ضد الإرهاب .

حسب المادة 696 من نظام الطواريء، ليس فقط الجنود والشرطة والموظفين الذين عملوا ضد محاولة الانقلاب في 2016 سيكونون محصنين من تقديمهم للمحاكمة، بل ايضا مواطنين. غول ومنظمات حقوق المواطن يقولون إن الصيغة الضبابية للمادة يمكن تفسيرها هكذا، أيضا نشاطات مواطنين ضد حركة الخصم المنفي لاردوغان، فتح الله غولن، بعد محاولة الانقلاب، وليس فقط اثناءه، تمنحهم الحصانة. غول الذي عارض في حينه تعديل الدستور الذي يمنح اردوغان صلاحيات واسعة، هاجم هذه المادة وقال إنها تخلق منفذ يمكن تجاوز سلطة القانون وتعطي المواطنين صلاحيات معطاة بصورة حصرية للشرطة والجهاز القضائي. «من المثير للحزن أن رئيسنا السابق يتحدث عن الضبابية. أين تجد ضبابية؟ في أي مادة؟»، انفجر اردوغان، «كيف صعدت فجأة على ظهر سفينة المعارضة؟» اضاف من خلال اعطاء اشارات على خيانته للحزب.

غول واردوغان هما من مؤسسي حزب العدالة والتنمية، وقد سارا طريق طويلة معا خلال سنين. غول كان رئيس الحكومة في السنة الاولى لحكم الحزب إلى حين دخل اردوغان إلى منصبه، ورد له الجميل بمساعدته في أن يعين رئيسا. ولكن غول لم يسلم بسيطرة اردوغان على الحكم ومسه الشديد بوسائل الاعلام. اردوغان الذي اثبت أنه لا يغفر لمن ينتقدونه، وضع غول الآن على لوحة الاهداف، باتهامه ليس فقط بالانضمام إلى المعارضة، بل المس بوسائل الدولة في محاربتها للإرهاب. غول لم يسكت وغرد بأنه سيستمر في التعبير عن مواقفه. ولكنه يستطيع حقا تحدي اردوغان فقط إذا قرر التنافس على الرئاسة.

العلاقات بين اردوغان وغول تذكر بشكل كبير بالحب الكبير السائد بين بنيامين نتنياهو ورؤوبين ريفلين. وحسب محلل تركي في صحيفة «ميلييت»: :يبدو أن اردوغان تبنى إسرائيل كمثال على السلوك السياسي، ولكن في إسرائيل ما زال لديكم حرية تعبير، أما عندنا فلا يوجد».من يبحث عن امثلة اخرى يمكنه أن يجدها في مدينة أضنا، التي أمر فيها رئيس البلدية بازالة كل اللافتات باللغة العربية «التي تتسبب بتشويه المنظر وتضر بالجهود للدفاع عن اللغة التركية».

هذه العاصفة السياسية لم تنه تطورها بعد كما يجب. لأن قضية اكثر تهديدا نزلت على رأس اردوغان، عندما أدانت محكمة في نيويورك يوم الخميس الماضي نائب مدير عام بنك «هالك» التركي بالخداع وخرق العقوبات على إيران ـ لأنه مكن رجل الاعمال الإيراني ـ التركي، رضا سراب، من نقل الذهب إلى إيران مقابل النفط. اردوغان انتقد قرار الحكم.

وقال مستشاره ابراهيم كالن «هذا حكم فضائحي في محكمة فضائحية. وقال رئيس الحكومة التركي بنالي يلدريم «هذا تدخل غير مسبوق في الشؤون الداخلية التركية». والنيابة العامة في تركيا طلبت من الولايات المتحدة تسليم الشاهد الرئيسي في القضية، حسين كركماز، الذي ادار في 2013 التحقيق ضد سراب.

من ناحية اردوغان «ليس هناك شيء لأنه لم يكن هناك شيء». لأن ما تم القيام به، إذا تم القيام به، هو في اطار الصلاحيات السيادية لتركيا.

اردوغان وعائلته خرجوا ابرياء من القضية على الاقل في نقاشات المحكمة، ولكن قرار الحكم الذي في اعقابه سيقضي نائب مدير عام البنك ثلاثين سنة في السجن، يمكن أن تستخدمه وزارة المالية الأمريكية كقاعدة لفرض غرامات كبيرة، 5 ـ 10 مليارات دولار، على البنك التركي. غرامة كهذه ستكون ضربة قاضية لنظام البنوك في تركيا. وقد سارعت شخصيات تركية رفيعة إلى التعهد بأن الدولة ستساعد البنك.

في هذه الاثناء ساهمت هذه القضية في تدهور آخر في العلاقة بين تركيا والولايات المتحدة التي بدأت في التدهور في اعقاب المساعدة التي تقدمها الولايات المتحدة للاكراد في سوريا، وانزلقت اكثر في المنحدر عندما اعلن ترامب عن اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل، والآن يوجد في تركيا من يقترح قطع العلاقة مع الولايات المتحدة. هذه ليست مطالبة منطقية، كما هو معروف، لكنها تشير إلى رياح الشر التي تهب في انقرة والى الشعور بأن اردوغان يسير بالدولة بعيدا عن احلام سنوات حكمه الاولى عندما كان الشعار «صفر مشكلات مع الجيران» الذي كان يوجه سياسته الخارجية. الآن ليس فقط أن العلاقة بين تركيا والولايات المتحدة توجد في منحدر غير مسبوق، ايضا العلاقة مع الاتحاد الاوروبي بحاجة إلى دفعة من اجل تضميد الجراح.

في الاسبوع الماضي تلقى اردوغان صفعة شديدة من الرئيس الفرنسي عمانويل مكرون الذي أعلن في مؤتمر صحافي مشترك: «كفى نفاق، ليس هناك احتمال لأن تنضم تركيا إلى الاتحاد الاوروبي في الظروف الحالية»، باشارته إلى الاخلال الشديد بحقوق الانسان في تركيا. اردوغان اكتفى برد بارد. «لقد مللنا من الطرق على باب الاتحاد الاوروبي، لكن لم يبق لتركيا الكثير من الابواب الاخرى من اجل الطرق عليها».

هآرتس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى