السيد العروبي ينصف عبد الناصر
غالب قنديل
محطات مهمة إعلاميا وسياسيا وفكريا وردت في حوار السيد حسن نصرالله مع الزميل سامي كليب عبر قناة الميادين لم تلق ما تستحق من الاهتمام والمتابعة الإعلامية.
أولا كمية المعلومات التي بسطها قائد المقاومة عن الاتصالات الأميركية والأوروبية بقيادة حزب الله وأبرزها عرض ديك تشيني الذي فصل السيد بعضا من محاوره السياسية والمالية وهو يشبه إلى حد بعيد ما سبق ان كشف عن عروض أميركية تلقاها زعماء عرب كبار لثنيهم عن مواقعهم المحورية المتقدمة في الصراع العربي الصهيوني فهذا ما سبق ان واجهه في التاريخ المعاصر كل من الزعيم الراحل جمال عبد الناصر والرئيس الراحل حافظ الأسد.
في فترة ولاية إدارة جورج بوش نفسها التي تحدث عنها نصرالله سبق ان حمل كولن باول عرضا مشابها إلى الرئيس الدكتور بشار الأسد بعد غزو العراق وبالطبع رد السيد حسن نصر الله على العروض الأميركية بما يليق بقائد المقاومة وأحد اهم قادة حركة التحرر الوطني العربي في العصر الحالي.
قيمة هذا الأمر ليست فقط في المعلومات التي يفترض ان تثير مهنيا لهفة وسائل الإعلام لمزيد من التفاصيل بل إن الجوهر فيها هو الموقف الاستقلالي التحرري المبني على رفض التكيف مع منظومة الهيمنة الاستعمارية الصهيونية التي تقودها الولايات المتحدة وتعمل لتكريسها وتسعى بواسطتها لإخماد وتدجين نزعة المقاومة والاستقلال عبر خطط الاحتواء حين تفشل محاولات التصفية للتخلص منها وهذا هو وضع حزب الله بعد التحرير عام 2000 ثم بعد حرب تموز 2006 وهو كذلك اليوم بعد دوره الحاسم والكبير في تخليص دول المنطقة من عصابات الإرهاب التكفيري بما في ذلك ما كشفه السيد خلال الحوار من جهود اوروبية حديثة لطلب التنسيق الأمني مع المقاومة ضد التنظيمات الإرهابية وتعليمات هذا القائد لرفاقه بتأكيد انتمائهم إلى الجناح العسكري المتهم بالإرهاب في الاتحاد الأوروبي وبديهي ان تنعقد المقارنة بين موقف هذا القائد الكبير ولهاث زعامات عربية كثيرة في الزحف على البطون لتوسل الرضا الأميركي وتقديم فروض الولاء والهبات والعطايا من ثروات الأمة ورصيدها لأباطرة واشنطن ونحن لا نتحدث عن لبنان حيث يتفاخر كثير من الساسة بالحج إلى عوكر ويحتفلون بزيارات حجاب السفارات إلى قصورهم.
ثانيا اختار الزميل كليب مدخلا ذكيا لاستكشاف موقف السيد نصرالله من الزعيم الخالد جمال عبد الناصر انطلاقا من رمزيته التاريخية بالسؤال حول تمثال عبد الناصر في بعلبك وكانت إجابة السيد نصرالله غاية في الوضوح والقوة بما حملته من حرارة التقدير والاحترام لقامة قومية كبيرة محملة بالمعاني والأبعاد الفكرية الوطنية والقومية.
أشار السيد بكل احترام وتقدير إلى دور الرئيس عبد الناصر القومي وخصوصا في الصراع ضد الكيان الصهيوني الذي كان قضية حياته ومحور زعامته وجماهيريته الطاغية بين المحيط والخليج وبهذه المحطة التي ربما لم تكن بحكم طبيعتها وافية أو كافية في شرح الأبعاد والخلفيات لكن قدم السيد نصرالله بعبارات قليلة كمرجعية دينية عربية وكزعيم لحزب إسلامي تحرري موقفا قوميا طليعيا من قضية حركت سجالات واسعة في صفوف التيارات السياسية الإسلامية والقومية واليسارية وهو يؤكد بذلك كقائد مقاوم انتساب حزب الله والمقاومة إلى ميراث الأمة العربية التحرري من خلال تقدير قائدها لما قام به الرئيس جمال عبد الناصر واحترام السيد لمكانة هذا الزعيم القومي في التاريخ العربي المعاصر هو رسالة معبرة ومهمة للتيار الوطني والقومي في جميع البلدان العربية وبادرة للم شمل المناضلين العرب من جميع المشارب في سبيل القدس وفلسطين الذي يمثل هما مركزيا راهنا لقائد المقاومة في هذه المرحلة كما كان هما مركزيا للزعيم عبد الناصر حتى النفس الأخير من كفاحه القومي.
غير بعيد عن موقفه من جمال عبد الناصر عبر السيد نصرالله عن رؤيته الفكرية والثقافية للعروبة بوصفها انتماء قوميا لتيار تحرري مقاوم كحزب الله وهذه بدورها بادرة تقدمية فكريا سبق لحزب الله ان عرضها وعبر عنها في بعض وثائقه ونصوصه السياسية لكن لكلمات السيد الفكرية ولحرارته الوجدانية وما تحمله من شحنات انتماء وإيمان بالعروبة وتصميم على تجديد مضمونها التحرري دلالات ترقى فوق أدبيات المجاملة والمسايرة إلى قوة الاعتقاد العميق بهوية يدور الكثير من الجدل بشانها في صفوف جميع التيارات السياسية والفكرية في البلاد العربية وان تكون المقاومة التي يقودها حزب الله عروبية وحليفة للرئيس بشار الأسد وتحترم الزعيمين عبد الناصر وحافظ الأسد كميراث قومي تحرري فلذلك مغزاه ومعناه ودوره العميق في رسم ملامح جديدة لحركة التحرر العربية.
ثالثا طغت في مواقع التواصل الاجتماعي نقاشات وجدالات ابتعدت كثيرا عن تلك المحطات البارزة والنوعية في حوار السيد حسن نصرالله مع قناة الميادين الذي أجراه الزميل سامي كليب فطغت الانتقادات التي تناولت ما وصف بتكرار مقاطعة المحاور لضيفه في صورة لم يستسغها المشاهدون الذين تعودوا مؤخرا الإصغاء إلى السيد يبسط رأيه بالتسلسل المنطقي الذي يجده مناسبا والمسألة الثانية هي أن بعض الاعتراض كان في محله على مقاطعات كانت أحيانا في غير محلها حيث لم تأت استدراكا لطلب إجابة على سؤال تجاوزه الضيف او لم يجب عليه بصورة كافية وحيث هذا النوع من مقاطعة الضيوف يمر بسلاسة ويستساغ عند المتلقي وبمكن للمشاهد الخبير ان يسجل بعض المبالغة التي تخطت القواعد المهنية الطبيعية في تكرار مقاطعة الزميل كليب لضيفه رغم قيام السيد نصرالله بالرد على جميع الأسئلة بما فيها ما اعتبره بعض الناقدين الغاضبين استفزازا او تعبيرا عن رغبة الزميل في التميز عن سواه ممن حاورا أمين عام حزب الله وهو دون شك حظي بفرصة يتمناها الكثير من الزميلات والزملاء.
تلك الهنات الهينات التي أبرزها التفاعل مع الحوار طمست قوة المضمون الذي أدلى به السيد نصرالله وظلمت الجهد المهني الاستثنائي الذي بذله الزميل كليب في إعداد الحوار وتحضير المحاور والعناوين وكمية الأسئلة الكثيرة التي تم تحضيرها بإتقان لتغطية أوسع مروحة ممكنة من القضايا والمواضيع بصورة تستحق التقدير والتنويه مع التماسنا العذر لبعض الهفوات التي قد يسببها ارتباك طبيعي فهيبة السيد نصرالله وهالته المعنوية تنعكس على أي شخصية إعلامية قد تلتقيه وهذا ما يجب ألا يغيب قوة المضمون الذي قدمه الزميل سامي كليب لمشاهديه عبر لقائه بالسيد نصرالله وذلك يبقى هو الأهم.