مقالات مختارة

الشيعة والمقاومة ثريا عاصي

 

لعل أبلغ دلالة على الفاجعة التي تتهدد الوجدان القومي والوطني هي التي نتبينها من خلال المسافة الكبيرة التي تفصل بين جزء من النخبة المثقفة والمفكرة والمبدعة من جهة وبين المجتمع من جهة ثانية. الذي يتعرض منذ ستة قرون من الزمن ونيف لصدمات متتابعة وخيبات متتالية وهزائم متلاحقة دون أن يتغير مضمون الخطاب الرسمي عن الإنجازات التي تحققت والإجرءات الواعدة والإنتصارات الدائمة!

لم يكن النخبيون المذكورين أعلاه مضطرين للخوض في موضوع الأزمات الإجتماعية الراهنة إستنادا إلى الصورة التي يرونها في المرآة عن أنفسهم، واقتناعهم بأنهم بلغوا من التقدم والكمال في سلم العولمة درجة عالية. هذا لا يسمح لهم بأية حال إهمال المستوى المتدني الذي وصل إليه الوعي والأخلاق والمعرفة في المجتمع. فالأوضاع لا تنقاد إلى مشيئة المثقفين المعولمين بطريقة بسيطة وتلقائية. ترشح العنصرية من خطاب رواد الليبرالية الجديدة العالمية مثلما يرشح الإستهتار والتفاهات من الخطاب الرسمي العربي.

يتجاهل الذين جعلوا شغلهم الشاغل تشويه صورة المقاومة ونكران التضحيات في مقارعة مستعمر متوحش كان يحتل الأرض ويأخذ سكان الجنوب رهينة، أن المقاتلين «الشيعة» في المقاومة هم أحفاد القوميين العرب والبعثيين في ستينيات القرن الماضي. أما أباؤهم فلقد كانوا شيوعيين وقوميين سوريين في السبعينيات، مع فصائل المقاومة الفلسطينية في عمان وبيروت. ليس من حاجة لطول كلام عن نهاية الناصرية وعن المنفى الفلسطيني في سنة 1982. ولكن التاريخ لا يبدأ أيها السادة من النقطة التي انعطفت عندها طريقكم. أين كنتم بالأمس وأين أنتم الآن. إشرحوا وناقشوا!

مجمل القول أن الحوار مع المقاومة مطلوب ومحبذ، شرط أن يأخذ بالحسبان أن المستعمرين الإسرائيليين دخلوا إلى مجتمع مرهق ممزق فرّق المال والفقر والمحسوبية شمله، وتلاعبت به أياد داخلية وخارجية.

من البديهي أن الأولوية في مواجهة المحتل كانت توحيد هذا المجتمع بصورة مستعجلة. يحسن التذكير بأن هذا الأخير كان عليه أن يستعيد وحدته بنفسه. فلم يأت اللبنانيون من المناطق الأخرى تحت قيادة الدولة العلية، إلى الأرض المحتلة من أجل حل المنازعات وإطلاق العمل التحريري. الذي يقتضي بأن يقتنع الناس بأن المحتل هو عدو وبأن الحرية هي حاجة لهم وبأن ما بعد التحرير سيكون أفضل مما كان قبل الإحتلال! إذن الحديث عن مقاومة لا يتجند في صفوفها أبناء الأرض المحتلة هو في أصله خداع ألفاظ.

كان لا بد من تحصين الناس الرازحين تحت وطأة المستعمر الإسرائيلي من تأثير العوامل الخارجية السلبية المثبطة. كانت المسألة الملحة هي الإمساك بالمجتمع تحت الإحتلال، بأسرع وقت ممكن، وبالوسائل المتوفرة، بقصد توفير الظروف الملائمة لنهوض مجتمع موحد ومقاوم فضلا عن إنتاج هوية وطنية وعن تحديد هدف يتوجب بلوغه كضرورة لازمة للحصول على مكان تحت الشمس. لا جدال حول التشخيص الذي توافقت الآراء حوله الى هذا الحد أو ذاك.

خلاصة القول وقصاراه أن حزب الله إقترح علاجا وفرضه بالقوة. هنا نشأ خلاف بينه وبين أطراف أخرى إعترضت على تفرده. لا تزال المحاولات مستمرة لإيقاف مسيرة المقاومة، إستنادا إلى القناعة بعدم جدوى هذه الأخيرة. وبالتالي تحسن معاودة السعي إلى الإتفاق والتطبيع مع المستعمرين.

(الديار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى